الكتابة في زمن "الكورونا"

مدرين المكتومية

أخبار تُثير الذعر، وأنباء عن إصابات ووفيات بفيروس غامض اصطُلح على تسميته "كورونا المستجد"، كل ذلك حال بيني وبين الكتابة الإيجابية التي أؤمن أنَّها شفاء لأي فيروس، لاسيما الفيروسات النفسية والعصبية، التي تأتينا من الضغوط المحيطة بنا في الحياة.

"كورونا" ليس بفيروس جديد، لكنه مستجد، تحور بسبب أوضاع بيولوجية معينة، وصار أقوى من ذلك الفيروس الذي ظهر قبل سنوات في الصين أيضًا، ولذلك وجدت أنه لا مفر من الكتابة عن هذا الفيروس المُتوحش الذي يفتك بالبشر وتسبب في تعزيز المخاوف العالمية، على الرغم من قناعاتي الشخصية بأنَّ الأمر لا يزال تحت السيطرة في الصين التي تكافح كثيراً من أجل كبح جماح هذا القاتل اللعين.

اعتدتُ أن أرفع شعار العظيم ماركيز "أكتب ليحبني أصدقائي أكثر"، فالكاتبة بالنسبة لي نوع من البوح الخاص بالمشاعر والأفكار التي تجول في قلبي وخاطري، أكتبُ لأنَّ الكتابة ترياق للروح والعقل، وعلاج ناجع ضد الأوبئة الفكرية والأمراض النفسية التي باتت تتمكن من بعض البشر، نتيجة انسلاخهم من مشاعرهم الإنسانية، وأولها الحب، فهؤلاء المرضى الحاملون لفيروسات الفكر والروح، داسوا بأقدامهم على الحب، وقتلوا مشاعرهم بحقنة من مخدر شديد السُمية، ورفضوا تلقي العلاج عندما حاول أطباء الروح وحكماء النفس أن يحقنوهم بالترياق الشافي.

اخترت اليوم أن أكتب عن "كورونا"، ففي كثير من الأحيان لا نختار القضايا التي نود التطرق إليها، لكن الوضع الراهن يفرض علينا كثيرا اختيارات بعينها، وهذا من منطلق شعور الكاتب بمسؤوليته تجاه مجتمعه، واحتراماً للإنسانية وللمشاهد الحزينة، وللحظات اليائسة التي يعيشها الكثيرون، ناهيك عن ما يتكبده أي بلد يعيش تحت هذه الأزمة، من خسائر بشرية واقتصادية، فالمناطق المُصابة في الصين في شبه عزلة، وأبناؤها أصبحوا أشبه بمن ينقلون الأوبئة وغير مرحب بهم في أي مكان يودون الذهاب إليه، وأصبحوا منفصلين عن العالم بأكمله بعد أن قطعت خطوط الطيران وجهتها إلى الصين، فضلاً عن مشاهد العنصرية غير الأخلاقية التي شاهدناها في بعض البلدان الأوروبية تجاه الآسيويين عموماً وليس الصينيين فقط.

من المُحزن أن نكتب عن بلد عملاق بحجم الصين، بكل حزن وأسى، خاصة وأن هناك الكثير من المقاطع المحزنة التي يتم تداولها والتي يمكن أن نطلق عليها كلمة "بشعة"، فأن يتم عزل رضيع مصاب بالمرض عن والديه وهما يبكيانه من خلف زجاج أمر في غاية البؤس والألم، أو أن نكتب عن أناس يتساقطون في شوارع الصين الواحد تلو الآخر أمر أيضًا مؤلم وقاسٍ، ليس هذا فقط، هناك حملات إعلامية ممنهجة تستهدف الدولة الصينية الكبيرة.

لم أكتب لأنني أرى الموضوع من زاوية انفعالية كما يرى البعض ويتداولها على أنها لعبة سياسية، لكني أردتُ أن اكتب وفق منظور شخص يرى ابنه يموت أمام عينه دون قدرته على فعل شيء لإنقاذه، أو أن يفاجئ شخص بأن أعراض المرض التي يعاني منها هي كورونا فتجد كل أحلامه تبددت ويبدأ في التفكير في الموت، أو عجوز تركها الجميع لأنها مريضة دون أن يمد لها أحد يد العون والمساعدة، وغيرهم ممن سيفقدون الأمل في الحياة.

إنَّ الكتابة هي محاولة لاستعادة الأمل المفقود، واللقاءات غير المعلنة.. الكتابة فرصة لإخبار الآخرين بما نكنه في نفوسنا لهم وما نعمل عليه لأجلهم، حتى وإن لم نذكر أسماءهم، فيكفي أنهم في القلب يمنحوننا دفء المشاعر، وسعادة الروح التي نتشوق لها دائمًا مع من نحب ونرى في أعينهم الحنين واللهفة دائمًا.. فالكتابة هي الحياة!