قابوس السلام .. يؤبنه العالم كافة!

حمد بن سالم العلوي

لقد شدَّني التَّأبِين الأممي لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيّب الله ثراه - ولم ألحظ طوال عمري المديد أن الأمم المتحدة قد خصّت أي زعيم عربيّ أو عالميّ بمثل هذا التَّأبين الكوني، الذي مثَّل كل قارات الأرض، والجميع يشيد فيه بمناقب والخصال الطيّبة لهذا السلطان العظيم، الذي تميَّز عن غيره من زعماء العالم، أنّه انتقل إلى جوار ربه وليس له خصم واحد في هذا الكون، وقد اشتهر كرجل للسلام ووسيط موثوق الجانب دون سواه.

لا ننكر أنّ هناك زعماء كبار حظوا باحترام كبير، كالزعيم جمال عبدالناصر، وجلالة الملك حسين بن طلال، والرئيس حافظ الأسد، والزعيم الجزائري هواري بومدين، فقد كان لهم سيط أممي كبير، وكانت جنازة جمال عبدالناصر أكبر جنازة في التاريخ، امتدت إلى مسقط التي كانت في الشهور الأولى لإبصار نور الحرية من ظلام الجهل والانغلاق، فيليه جلالة الملك حسين بن طلال، ثم الرئيس حافظ الأسد، ولكن ليس لهم من حظوة أممية كالحظوة التي نالها جلالة السلطان قابوس - طيّب الله ثراه - ولا أظن أنّ هناك زعيما قبله أو بعده، قد حصل أو سيحصل على هذا الإجماع الأممي المهيب.

لقد كان رحمه الله؛ أيقونة متميزة بين أقرانه من زعماء العالم، سيُحار الساسة والباحثون في تشخيص كنهه العميق، وذلك مقارنة مع سلاطين الأرض، والملوك والرؤساء وكل الحكام في مثل تميزه العجيب، ونظرته الثاقبة وبصيرته النافذة، وحكمته التي يسبق بها غيره عشرات السنين، ولا نقول إنّ العالم سيفقد هذه السمة العُمانية مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- سلطانا لبلادنا، فلم يحدث في التاريخ أن أجمع الخصماء المتضادين على احترام شخصية زعيم من الزعماء، كما هو الحال مع المرحوم جلالة السلطان قابوس، فقد استقبل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أعزه الله - في قصر العلم في مسقط كل الفرقاء المتنافرين.

إنّ المتضادين الذين اختلفوا فيما بينهم وتخاصموا، لا بل وتحاربوا وتقاتلوا، ولكنّهم أجمعوا كلهم على احترام شخص واحد المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس - رحمة الله عليه - فقد عزّت فيه الدول المتخاصمة والمتنافرة، وكل زعيم منهم يعدُّه صديقاً خاصاً له، إذن؛ جلالة السلطان الراحل - طيّب الله ثراه وغفر له - بحنكته وحسن سياسته ونفاذ بصيرته، نسج كل التناقضات في بوتقة واحدة، وأخرج بهذا النسيج كتلة من السلام والمحبة، والوئام والتعايش الجمعي المحكم، بحيث يكون ملتقى المتخالفين في مسقط لقاء صداقة وأخوّة واحترام، وذلك برغم تنافرهم، أو حتى تقاتلهم مع بعضهم البعض، ولكن تكون نقطة الارتكاز في عُمان، يكون الوضع مختلفاً جداً مع غير عُمان، لأنّه بمجرد أن تحط أقدام المتخاصمين أرض السلام، فيستنشقون أُكسجين المحبة مع دخنة اللبان العُماني "الحوجري" النقي في قاعات الاستقبال في المطار، فيتغير "المود" المزاج إلى الطباع العُمانية الهادئة التي تقبل التعايش مع الجميع، إذن فقد تعامل العالم مع عُمان بالعقل والحكمة، ولم يتعامل معها بالعاطفة والمزاج المتذبذب، وذلك من شأن الصغار وخاصة في الجوار القريب.

إنّ عُمان كانت ومازالت وستظل - بإذن لله تعالى - مختلفة عن كل دول العالم، سواء كان ذلك في سلوكها الموسوم بالثبات على العهد، والصدق في المبدأ، أو عدم التدخل في شؤون الآخرين؛ وهي لم تفعل ذلك حتى تخالف الآخرين إلى ما منعت نفسها عنه، وإنّما تؤكد ثباتها على هذه القواعد، ولولا هذا الثبات، لمَا نالت هذا الاحترام الكوني العجيب، فعلى الآخرين تقليد عُمان إن أرادوا كسب محبة الناس والعالم لهم، وأنا لا أقول هذا باسم الحكومة، ولكن أقول هذا بصفتي مواطنا عُمانيا، يعرف بحكم المعايشة والمتابعة، كيف تجري السياسة العُمانية، فهي منذ فجر 23 يوليو عام 1970م لم تخرج عن هذا النهج، الذي نراه نهجاً قويماً صالحاً، يرضي الشعب العُماني بطبعه الهادئ الرصين، ويوافق السِّيرة العطرة لتاريخ عُمان العظيم، وما القيم السلطانية الكريمة إلا سليل دوح مجد كريم، وصهوة عز الأمة العُمانية العريقة.

لكن يا تُرى؛ ما بال من يشذ نشازاً عن العالم كله، ويصرُّ على أن يتّبع السيئة بالسيئات، ويمعن في الإساءة لمن لم يسيء له يوماً من الأيام؟!! ولكنّه يطلق العنان لكل السفاهات، وإن لم يجد من يكفي من المجنَّسين ليقوموا بالمهمة في الداخل، فإنّهم يدفعون بالشيكات لاستئجار النائحات عبر العالم الواسع، وهدفهم القذر هو الحطّْ من الشأن العُماني الذي بلغ الثريا علواً، فعجزوا عن اللحاق بعُمان، وتقليدها في عمل الخير، فصوّر لهم الخبثاء مساراً للخبث، بأن يخفضوا السقف العُماني إلى مستواهم، فقد يجعلهم ينعموا بالندِّية عندئذ.

هناك من اتهم عُمان بالتطبيع مع إسرائيل، وذلك لكي يصرفوا الأنظار عن مِكرهم وخيانتهم، فليست عُمان من يقرر شأن الآخرين، حتى وإن استقبلنا اليهود في مسقط، أو جلس ممثل السلطنة في واشنطن مع الأمريكان- نتيجة دعوة بروتوكولية- ولكنّ الذين باعوا فلسطين، أولئك الذين كانوا يعطون الإحداثيات للصهاينة في غزة لضرب المقاومة، والذين يشترون الأراضي والمنازل المقدسية ومنحها هدية لليهود مجانا، أو الذين يدفعون المليارات عن قيمة صفقات السلاح للأعداء، أو الذين يلتقون الصهاينة ليلاً للتآمر معهم في عرض البحر، أو الذين يبحثون عن ملتقى مع الإسرائيليين في الدول الإفريقية، وذلك حتى لا تعلم شعوبهم بالخيانة للأمة العربية، أو الذين يعادون من تعادي إسرائيل، ويصالحون من تصالح، نعم عُمان القابوسية أخفت علاج أطفال غزة في ألمانيا، أثناء غدركم أنتم وإسرائيل بشعبها الأعزل، وقدمت مساعدات غير معلنة للشعب الفلسطيني في غزة وغيرها، وفتحت المدارس والمستشفيات دون ضجيج إعلامي حتى لا تعلم يسرانا ما تقدم يمنانا في الخير، وهذا هو حال المؤمنين بربِّهم، ولن يوفق الله مسعاكم بالشر في الوقيعة بين عُمان والشعوب العربية.

حفظ الله عُمان وسلطانها من كل مكروه وغيبة، وغفر الله لسلطانها الراحل، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، إنّه سميع مجيب الدعاء.