"شانيل".. وتناقضات الحياة!

مدرين المكتومية

فلسفة الحياة مليئة بالتناقضات، لكنها أيضًا حافلة بالمُفاجآت التي تمنح الفرد شعورًا بالسعادة.. لكن ما الذي يحدث عندما تأتي السعادة بعد فوات الآوان؟ أو أن المُفاجآت تتأخر حتى لا يتمكن المرء من الحصول عليها؟ إجابات هذه الأسئلة، نلحظها ونقرأها في سير المشاهير وأصحاب الثروات الضخمة من رجال الأعمال وأصحاب المشاريع الريادية، ونجوم الفن، لكن جوهر هذه الإجابات يتلخص في أنَّ على المرء أن يحيا السعادة التي تتوفر له بعدما اجتهد وصبر على تحديات الحياة. أضرب هنا مثالا برائدة الأعمال جابرييل بونور شانيل، صاحبة ماركة "شانيل" الأشهر على الإطلاق في عالم الموضة والأناقة، فما من فتاة إلا وتعلم تلك العلامة المميزة التي تتكون من حرفي "C" معكوفين لتشكل العلامة التجارية المميزة، وخاصة في العطور والحقائب والأحذية النسائية. لكننا عندما نغوص في تفاصيل تلك المرأة، نكتشف أنها رحلت عن العالم قبل أن تنال شهرتها التي تحظى بها اليوم، إذ ماتت وعلامتها التجارية ليست سوى بوتيكا صغيرًا. وقد كتبت عنها الصحافة العالمية ذات يوم بأنها المرأة التي تحولت "من حياة الملاجئ إلى ِأشهر مصممة أزياء".

فلسفة الحياة التي اتحدث عنها هنا، تتمثل في ثنائية الفقد والفوز، الشهرة والموت، الثراء والعوز! ثنائيات متضادة ومتنافرة في كثير من جوانبها، لكنها واقعية وتحدث في مختلف دول العالم، الأمر الذي يدفعني دائماً للاقتناع بأن السعادة هي الحياة التي نعيشها الآن ونرضى بها، وهذا بالتأكيد لا يمنع أن نكافح من أجل أن نحصل على الأفضل، ونجتهد لكي نصعد إلى القمة، ونتبادل الحب والمشاعر مع من نحب، لأننا إذا ما بحثنا في أعماق شخصياتنا سنجد أن الحب هو الذي يصنع الحياة، الحب يعالج ضيق النفس، الحب يشفي من أسقام الروح وعلل الجسد.

أعود إلى شانيل، فهي الفتاة التي قررت خوض تجربة عملها بعيدا عن كل التحديات التي عرقلت تقدمها، لكنها امتلكت حلماً بأن تكون سيدة مجتمع أروستقراطية تعيش في حياة مخملية، يحفها الجمال من كل مكان، وتنعم بالسفر إلى مختلف مدن وبلدات العالم، تجوب بيوت الأزياء عارضة إبداعاتها، فتحظى بالإشادة والتصفيق في كل مشهد تتجلى فيه. وحاولت شانيل الدخول لعالم الشهرة من باب الفن، وعملت مغنية باسم "كوكو"، أصبح لقبها بعد ذلك "كوكو شانيل".

لكن كوكو شانيل، عانت في جانب من شخصيتها من الألم، فكما يقول المثل الألماني: "كل جمال مرعب"، واجهت شانيل تحديات عدة رغم جمالها الآخاذ الذي ربما يرى البعض أنه سحر يأسر العقول والقلوب. ولذا حرصت شانيل على امتلاك عزيمة لا تفتر لكي تواصل تحقيق حلمها، فقامت بافتتاح "بوتيك" خاصا بها لبيع القبعات والإكسسوارات وقطع الملابس وأطلقت عليه اسم "شانيل". لكن مفارقات الحياة كثيرة؛ إذ توفيت كوكو شانيل بعد أن عاشت لأكثر من 30 عاما في أحد الفنادق دون أن تمتلك منزلا خاصا بها. ماتت شانيل دون أن تعرف أن علامتها "شانيل" التي أسستها هي الآن أشهر الماركات العالمية، لكن يكفي أنها رحلت تاركة خلفها رائحة عطرها "كوكو شانيل" ليسيطر على عقول الرجال قبل النساء، ويظل دائماً ذكرى لكل شخص يقتنيه فيعود إليه يومًا ما، أو يعود إلى حبيبته!

لا أريد من سطور مقالي الحديث عن شانيل المكافحة التي لم تقطف ثمرة جهدها أثناء حياتها، لكن ودتتُ أن أبرز تناقضات الحياة وفلسفتها العميقة، التي يتعين علينا جميعا أن ندركها، ونتعرف على منحنياتها الصاعدة والهابطة، وأن علينا أن ننتظر أقدارنا، لكن في الوقت نفسه نعمل باجتهاد من أجل تحقيق أحلامنا، التي يجب أن تكون أكبر من الواقع، لأنَّ الاكتفاء بما هو متاح سبيل الضعفاء، لكن الاجتهاد وطلب المزيد من النجاح طريق المثابرين والطامحين.

إن الحياة بكل تقلباتها ليست سوى قصة قصيرة، تبدأ بنا وتنتهي مع رحيلنا، نسجل خلال أيامها وسنينها، محطات حياتنا بحلوها ومرها، وبكل أشخاصها الذين نلتقيهم خلال رحلتنا طالت أم قصرت، ويظل هناك من يظلون في قلوبنا نسقيهم سلافة الحب، فلا يغيبون عن خاطرنا لحظة، وفي المقابل هناك آخرون تسقطهم الذاكرة مع كل الأدوار التي لعبوها على مسرح حياتنا.

إن ما يصيبنا أقدار قد نصنفها أنها جميلة ورائعة تبهجنا وتعطر حياتنا بالفرح، وأخرى سيئة لكنها أيضا تضيف إلى حياتنا الكثير من الخبرات والفهم للحياة وفلسفتها العجيبة!