علي بن سالم كفيتان
حمار مريض على قارعة الطريق يمر عليه يوميًا الآلاف الناس الذاهبون والعائدون من أعمالهم وهو يُعاني من فرط الجوع الذي أقعده تحت شجرة سمر لا تزوره إلا جموع الذباب التي لا ترحم لتلعق بقايا دموعه وأحزانه المكتنزة على خديه الشاحبين وفجأة طل عليه أحد المارة من جنس السنابيين المُحترفين وانتظر ابتسامته المفقودة فتمنع ذلك المخلوق الجائع الحزين وهنا لوَّح له السنابي المحترف ببعض الأعشاب الخضراء التي جلبها من إحدى المزارع المجاورة فبات الحمار في صراع بين جوعه وألمه وغضبه من طول فترة الإهمال التي لاقاها من بني جلدته وبين كومة العشب اليانعة الطرية التي يلوح بها هذا الكائن البشري بيد وفي يده الأخرى هاتفه الحديث المدجج بالكاميرات الذكية.
قرَّر الحمار سد رمقه ونسيان عتبه وأحزانه فتأهب ليقف فوقع عدة مرات وفي كل مرة تطلق الكاميرا عشرات الفلاشات إلى هذا الجسد المنهك وعندما صار واقفاً على أربع وهو ما لم يفعله لبضعة أشهر ابتعد عنه السنابي واستدرجه بعيداً عن السمرة التي كانت تظله من وهج الشمس ورمضاء الهجير تأرجح ثم مشى فهرول خلف السنابي ليحصل على قضمة العشب الندية تلك، فانصب تركيزه على كومة الأعشاب المتأرجحة أمامه فقط ولم تعد تهمه الطريق الوعرة التي قطعها ولا عتبه على فصيلته التي أهملته ولا جشع هذا السنابي الذي بات يسوقه لالتقاط بعض الصور لحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
كان السنابي يقول للحمار هيا ارني ابتسامتك يقولون إنك تمتلك الابتسامة الأجمل في العالم بينما هو ينخر خلفه وعيناه شاخصتان على العشب، هنا تعب السنابي فهو لا يمتلك اللياقة الكافية للذهاب بعيدًا في حين أن الحمار استغل مخزونه الجسدي الخفي فصار يحلم ويتخيل طعم تلك الوجبة النادرة فتبادى له وكأنه يأكلها ويتلذذ بطعمها بل وذهب بعيدًا في حلمه حتى إنه قال في نفسه سأعود إلى القطيع وأنا مبتسم وأخبرهم بروايتي عن هذه اللفتة الإنسانية لبني البشر وكيف أني استملت هذا السنابي بذكائي وفطنتي فرقَّ قلبه وأحضر لي كومة عظيمة من العشب الأخضر الندي وقدم لي الرعاية البيطرية فعالج جروحي ومسح دموعي، عندها سأصبح أنا ذكر القطيع الأول بلا منازع، بينما كان السنابي يصيح وهو يلهث اضحك ... اضحك... اضحك يا حمار تخيلت نفسي عظيم مملكة الحمير فضحكت بابتسامة عريضة كان ينتظرها الرجل بفارغ الصبر فاختطفها مني وقذف ضغث الأعشاب أرضاً وذهب إلى سيارته فأفقت من خيالي وأنا خاوي الوفاض إلا من قضمة عشب صغيرة تبخرت من فمي قبل أن تصل أحشائي.
في المساء أطلق السنابي صورة ابتسامة الحمار على جميع صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي وكتب تحتها تعليقاً قال فيه "من محاسن الصدف أن وجدت هذا الحمار السعيد في إحدى البراري ولاحظت ابتسامته العريضة وتذكرت أنني قرأت في بعض الأدبيات أن ابتسامة الحمار هي أجمل ابتسامة في الكون، فاقتربت منه وهو يرعى في أرض مخضرة ويحظى بعناية عظيمة وحوله قطيع من الحمير المطيعة، فكان يقودهم إلى المراعي الغنية ويحفظهم في الكهوف الآمنة من الحيوانات المفترسة ولديه حاسة استشعار نادرة للكوارث الطبيعية فيعلم أنها ستمطر قبل حلول المطر ويعلم عن قدوم الريح والعواصف قبل أن تحدث بأيام بل وشهور فجلبت هاتفي الذكي وتصيدت لكم ابتسامة هذا المخلوق الجميل".
وصل الخبر لمُثقفي مملكة الحمير فاجتمعوا وبحثوا عن صاحب الابتسامة فوجدوه يحتضر تحت شجر السمر في صيف لاهب بشروه بالخبر فقام واقفاً للمرة الثانية وذهب معهم وهم يتحلقون حوله ويخبرونه بردة فعل المجتمع السنابي عن ابتسامته الطاغية وكيف وصل عدد متابعي حساب ابتسامته السعيدة إلى ملايين الناس وكيف أن الكثير من نساء الكون ذهبن لعيادات التجميل للحصول على ابتسامة الحمار النادرة وأمام هذه الاحتفالية سقط الحمار بينهم ولفظ أنفاسه الأخيرة.