أنيسة الهوتية
نِعم الله الكريم سبحانه كثيرة علينا، إلا إننا كبشر لا ننظر إلى ما نمتلكه بل نضع ما لا نمتلكه نصب أعيننا وتمنيات قلوبنا واشتهاء نفوسنا، ثم نبكي على أننا لم نصل إلى ما نريد ونرتجي! ومن غرابة أمر الإنسان إنّه يترك الاستمتاع ببعض النعم الوقتية التي رزقه الله إيّاها ويخسر وقته وعمره في السعي وراء هدف آخر لربما لن يصل إليه لأنه ليس من نصيبه!
وهناك نِعَم خلقها الله تعالى فيه، ولكنّه لا ينظر إليها أنّها رزق، بل وكأنّها حق ممتلك له وهذه النعم هي: السمع، البصر، النطق، العقل، الصحة، القوام، وقال تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وقال "إنّ الإنسان لربه لكنود" لعلمه بنفوس خلقه.
وهناك نِعَم قريبة منا ولكنّها خارج إطار كيان الإنسان الجسدي، نِعَمٌ تركنا الاستمتاع بها وبوجودها لانشغالنا في أمور أخرى منها الرزق، المال، الجاه، العلم، وأيضا اللهو واللعب!! ومن هذه النِعَم هي نعمة الأُخوة. وقال جل وعلا: "ووهبنا لهُ من رحمتنا أخاه هارون نبيا"، وعلى لسان سيدنا موسى -عليه السلام: "واجعل لي وزيرا من أهلي* هارون أخي* أشدد به أزري"، وعندما طلب المغفرة من الله قال: "قال ربي إغفر لي ولأخي"، فأي نعمة هذه التي تركناها وفيها رحمةٌ لقلوبنا وصدقة لنفوسنا وبركة لأعمارنا وأرزاقنا!
أماّ من أذى إخوته، أو قاطعهم لخصام دنيوي فانٍ لأجل إرضاء كِبَر نفسه الذي يكاد يقفل في وجهه باب الجنة! فإنّه في خُسران مبين. وهناك أشخاص يتلذذون بخلق الفتنة بين الإخوة ويستمتعون إذا كبرت فجوة القطيعة وفترة الخصومة، فويلٌ لهم من عذاب الله، وويلٌ لهم إن دارت الدائرة عليهم وفُجعت قلوبهم بخصومات أبنائهم! فإنّ عمل بني آدم يدور عليه وسيحصد غدًا ما يزرعه اليوم.
ولا ننكر أن ليس كل الإخوة كموسى وهارون، فهناك إخوة يُوسف -عليه السلام- والذي تنبأ بِهم والده في تفسير حلمه، وعلى لسان يعقوب عليه السلام: " يا بُني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إنّ الشيطان للإنسان عدو مبين"، ورغم الكيد العظيم الذي كاده إخوة يوسف له، إلا أنّ الحقد الذي لم يخرج من قلوبهم رغم فعلتهم الشنيعة التي تآمروا على دفنها طوال تلك السنين، وأظهره قولهم في قصة صواع الملك، حين قالوا: "إنْ يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها".
فرحم الله امرأ كظم غيظا وتغاضى عن كلمة مقصودة أوغير مقصودة من أخيه، والراحمون يرحمهم الله، والرد الراقي الحكيم والعاقل في الخصومة يخف التوتر ويؤد الفتنة، كما رد يوسف على إخوته: "قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون"!
ولم يقل مجرمون، أو فاسدون، أو ظالمون! ونتعلم هنا أنّ الإنسان عليه أن يكون خلوقا في تعامله مع إخوته ومن حوله وإن كان نقاش حاد في خصام، فالكلمة الطيبة وسط الخصومة مثل الماء الذي يُصب على النار فيخمده قبل أن ينتشر ويحرق الأخضر واليابس.
فكونوا كيوسف مع إخوتكم الجاهلين، وتآزروا مثل موسى وهارون.