فوضى الحظ

 

فاطمة الحارثي

 

فوضى الحظ

كثيرًا ما نبحث عن سكن للفوضى التي تعتري أوجه حياتنا المختلفة، لفوضى "حظ القلب"، قد تسعى بعض الأرواح نحو اعتناق "الحب"، فيمارس أنواع "حظ الحب" المختلفة مع استهلاك حلقاته وأضداده كالغيرة والعبث والشوق والقلق وغيرها من المشاعر التي تغذي فوضى "القلوب". والبعض الآخر يعانق فوضى "العقل" فيهيمن على الكتب وبرامج ومحاضرات "تطوير الذات" بعذر التغيير أو وهم السيطرة على زمام فوضى الحظ. والأكثر غرابة هم الذين يبحثون في علم الفلك عن حظ أو عن خبر من عالم الميتافيزيقيا، ولن استغرب سخرية البعض من مفهوم "الحظ" ونظريات علمية توسم معتقدي الحظ بالجهل والتخلف، اتفق معهم بأنّ الكثير من الناس حرّفوا مفهوم الحظ وصبغته، لكن بكل تأكيد أخالفهم في أمر اليقين بالحظ لأنني مؤمنة بقول الله تعالى "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ".

 

فوضى السعادة

الجميع يرغب بأن يكون سعيدا ولا يمانع الغالب في أن يفرض المعايير التي تتناسب ومقاييسه الخاصة على الآخر متكئا على مفهوم السعادة الذي اعتنقه، ضوضاء السعادة "ممارسات" تثير الفوضى لدى النرجسي والحالم على حد سواء، إنّها تعبث دون اكتراث بسياسة الحدود وحق الآخر لأنّها تعمل تحت قوانين بشرية فطرية، لي أن أعيش سعادتي "هل هذا اعتراف مني بوهم السعادة"! إذا لنغير الجملة: لك أن تعيش أيديولوجيتك الخاصة بالسعادة وأن تلهي نفسك بالأمل وتنهك نفسك في بناء نفسك ضاربا بناء الأرض والجماعة عرض الحائط، فقط قف للحظة وفكر إلى أين المنتهى ومدى ظلال "جعجعة السعادة" التي تحدثها من حولك. 

 

فوضى الأهداف

قبل أن يُدركه الهرم يراه في أعين أبنائه وأحفاده، هي ذاتها نظرية "الأنا" و"الهدم من أجل الإثبات"، كم من فكر وعمل تمّ هدمه من أجل جديد أراد أن يُثبت تفوقه وحضوره على من سبقه، فسمة التقدير لا تُلمس في إنسان الحاضر، ولا حكمة الصعود على خبرات الآخرين وعلومهم، وكأن "فوضى الغايات" تطغى على سمات الأهداف بين "الأنا" والـ "نحن".

تكثر الغايات الشخصية والعلمية والعملية حتى تصبح أغلالا توصد أبواب التدبر والحرية تُنسي الإنسان أن يمارس إنسانيته وأن يفرد ذراعيه ليحلق عبر الآفاق مستنشقا رحيق رحلته الدنيوية، وعبق رائحة الأبدية التي لن تكون وحيدا فيها وأيضا لا "فوضى أهداف" فيها.

 

 

فوضى لوحة المفاتيح

مواكبة السرعة أحدث الكثير من الضجيج، حتى أصابع الحرف أصبحت عشرة تنقر بعد أن كان أصبعين هادئين نخط بهما التاريخ والحضارات، نتناول كل وجبات محركات البحث دون أن نعود لمقارنة ما أو تحقق من مصدر المعلومة ومدى صحتها، "الوقت يُهرول سريعا"، مما أوجب أن نثق بفوضى المعلومات المُعالجة والمعدة لنا إلكترونيا، فالحاسوب يفعل ما يُؤمر به ولا يستطيع التفكير ليكذب "هل هذا تغير في تعريف الثقة؟" أم فوضى "الكسل" وبرمجة أدمغة الإنسان الجديد.

 

فوضى الاعتراف

اختلف معك وتختلف معه ويختلف معي، سلسلة متصلة ولكن في تباين، ليس المصدر من تنوع في مادة المعرفة بل في فهمها وتفسيرها لدى كل فرد، لقد تلقى كل جيل نفس العلوم عبر مراحل التعليم المختلفة، لكننا لم نتشابه لا في الأسلوب ولا في السلوك ولا في كيفية الاستفادة مما تعلمناه وآلية تطبيقه على واقع حياتنا. فحامل الشهادات الأكاديمية (وإن علت) إن صنع شهادته من أجل مسمى وظيفي أو واجهة اجتماعية ولم تكن لنفع عام فليس ثمة باب "أكاديمي" في الجنة، فالأكاديمي لا يساوي العالِم.

ربما نحن لا نفسر الأمور حسب أفكارنا بل أهوائنا، بعد أن تجاهلنا أسئلة "الصواب" و "الخطأ" لصالح المصلحة الذاتية والاتكالية، في تغاضٍ عن الآثار المترتبة علينا جميعًا أمام هذه الفوضى والانتهاكات. أصبحنا رعويين، ننتظر أن تأتي إلينا الأمور حتى تغيّر الساعي إلى حقوقي، يرى أن كل شيء من حقه وواجب أن يُعطى سواء استحقه أم لا. حتى مفهوم الوطنية انتهك وأُنهك بين ضفاف تجاهلنا لحقيقة "الصواب والخطأ".

 

جسر..

الجميع دون استثناء جزء من عالم المليار إنسان، ربما في ذهنك أنت نقطة صغيرة، وربما لم تتخيل أو تفكر في موقعك الفعلي ضمن المليار إنسان إلى الآن، لكنك موجود وجزء لا يتجزأ منه، فهل أنت رقم زائد "إلى الآن" أم كيان مؤثر؟

استقبلت صباحي بقهوة "إعلان قانون موحد للإعلام"، حقيقة لا أحب القوانين لكنني أحب وأعشق النظام والسلام، وهذا ذكرني أنه لا توجد قوانين في الجنة بالتالي لا بأس أن يعيش من فيها دنياه.

لماذا نُحمل أنفسنا أمورا لا نحتاجها في سبيل الجنة ولا فيها؟!

الأكثر قراءة