إلى آبتِ الحبيب "محمد عيد ابراهيم"

 

وديع أزمانو | المغرب

 

فلتشعلوا الليلةَ

نارا في المقابرِ

سيزوركم اللَّهُ في هيئةِ شاعرٍ

يوقظكمُ من موتٍ

ويقرأُ على أرواحكم

آياتِ المحبَّة

/

أريدُ أن أهمسَ في أُذنِ الله

أن أخبرهُ

أن روحَ شاعرٍ صعدتْ

دونَ عِلْمِه

وأنَّ حزنهُ يتعالي

نزلَ على قلبي / برقا بلا رحمة

/

لا تقيموا لهُ جنازةً

فهو لم يمت

لا تصلُّوا عليهِ

فكلماتهُ صلاةٌ

وضحكتهُ

فرحُ اللهِ

بالحياة

/

اتركوهُ ، قبرَ الشَّاعرِ

مفتوحا

ولا تذرفوا دمعة واحدةً

فيغرق

اتركوهُ مفتوحا

تخرجُ من جِهاتهِ

عناصرُ الكونِ

راقصةً

ولا تلقوا بوردةِ على جثمانهِ

فتذبلَ كِلْمتهُ

اتركوه وحيدا

ورقة الخريفِ

في كفِّ الزوبعة

/

الخلودُ مشقَّةُ الكائنِ

في ابتكارِ شقاءٍ

سعيهُ الأزليُّ نحو فناءٍ

والخلودُ

روحٌ حملت على ضعفها

ثِقْلَ الحياةِ

ومضت خفيفةً

ملاكا

مهيضَ الجناح

/

لا تعنيني مشكلةُ الموتِ

أو تنظيفُ أسنانهِ لبنيَّةً

من شوائبِ حياةٍ

فلا يوجدُ هناكَ عظيمٌ غيرهُ

وكوني أكرهُ العظماء

ألحسُ عظمةَ شاعرٍ

وأنبحُ

/

قياسا إلى الحياةِ

قياسا إلى الموتِ

أغزلُ كفني من ضحكةِ نسَّاجٍ

وأموتُ

عيدا

بكي فيهِ الجميع

عيدا استوت فيه شاهدةُ القبرِ

شاهدا على الحياة !

 

 

................

محمد عيد ابراهيم، لم يخش الموت يوما، حتى و أنا أكلمه قبل أسبوعين أو أكثر بصوتهِ الضعيف نتيجة آلام العمود الفقري حيث كان لا يستطيع التحرك و مع ذلك يضحك، ويقول لي ما عليش يا وديع يا ابني احنا بنعدي و أنا عَجِّزْت، فأجيبه يكوني أنا العجوز الكسول وهو الأب الطفل النشط دوما، وأني أحسده على نشاطه الاستثنائي ، كان يتجنب الحديث عن المرض و ينصحني دوما بالتقليل من شرب الخمرة و الفرح ما استطعت و لا أخرج من مكالمة معه إلا وأنا أكثر ايمانا بالانسان في عالم عربي سقط فيه كل شيء وفقد كل شيء معناه إلى درجة تحيل إلى العدمية.. محمد عيد ابراهيم كان يعيد لي ثقتي بالانسان، بالحياة، بمعنى الوجود ... لن أتحدث عن التفاصيل ولكن يكفي أن يكون مولانا النسّاج هو أول من يطلع على مشروع ديواني الأول "فصول مملكة الشر" ويصححه لغويا و يحتفي به بشكل شككني في نفسي غير الراضية دوما عن فداحة وجودي فما البال بذاك الذي اعتقده هراء أمام الحياة و باطلها... أمس صعدت من المحيط الأطلسي وكتبت محاولة تتضمن مقطعين عن الموت مستشعرا بأن محمد سيغادرنا ... لقد غادرنا إذن، ولكنه غادرنا شامخا كما يليق بضنائن الله القلّة، كونه ضد الموت في حياته، ضد السلطة الدينية والاستبدادية، ومع الجمال دوما و الثورة ضد كلِّ أشكال القبح.

رحل في صمت يليقُ بالعظام الذين تطابقت تجربتهم الحياتية مع تجربتهم الشعرية. لذا فهو حي لا يموت.

تعليق عبر الفيس بوك