الموارد البشرية ...تكاليف أم استثمار؟!

 

د. عبد الكريم محمد الروضي | ماليزيا – كوالالمبور

تعد المعرفة العصب الحقيقي للمنظمات ووسيلة إدارية هادفة ومعاصرة للتكيف مع متطلبات العصر، إذ أن المعرفة هي المورد الأكثر أهمية في خلق الثروة وتحقيق التميز والإبداع في ظل المعطيات الفكرية كالعولمة والخصخصة وثورة المعلومات واتساع رقعة المجتمعات الإنسانية المختلفة وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي كان انطلاق مفهوم إدارة المعرفة حيث بدأت تشهد انتشاراً واسعاً واهتماماً من قبل المنظمات واعتبرت المعرفة هي مفتاح قوة الأعمال وأن هناك قيمة تتولد عند استخدامها ولذا أصبح موضوع إدارة المعرفة من المواضيع الساخنة والأكثر ديناميكية في الإنتاج الفكري في الإدارة ولقد تغيرت النظرة المعاصرة لعناصر الإنتاج التقليدية المكونة للثروة) العمل والمواد الأولية ورأس المال (وذلك بإضافة عنصر جديد هو المعرفة وهو العامل الأهم في الإنتاج مع التطورات المعاصرة) الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية (مما دفع بالكثير من المنظمات الإدارية إلى الاهتمام بالمعرفة لتحقيق الميزة التنافسية وضمان النمو والاستمرار وقد ظهر الاهتمام بإدارة المعرفة واضحاً بازدياد الدراسات النظرية والتطبيقية حولها وتخصيص مجلات علمية محكمة وعقد العديد من المؤتمرات والندوات والبرامج التدريبية وتأسيس جمعيات مهنية متخصصة في ذلك ومن الطبيعي أن يتواصل الاهتمام بالمعرفة في عصرنا الحاضر بعد أن مهدت ثورة الاتصالات وثورة المعلومات والتقنيات الطريق، وقربت المسافات ويسرت السبل لتبادل المعرفة وتجديدها.

 

 وليس غريبا في ظل هذه الثورات أن يتضاعف حجم المعرفة وكمها كل بضعة سنوات بعد أن كانت مضاعفتها تستغرق قرن من الزمان وقد أدى ارتفاع اقتصاد المعرفة إلى الاعتماد المتزايد على الأصول الفكرية والمعرفية كمصدر جديد للقيمة التنافسية للشركات والمنظمات وتعتبر المعرفة مورد تنظيمي استراتيجي يمكن أن يكون مصدر للميزة التنافسية المستدامة وتشير وجهة نظر الشركات والمنظمات القائمة على المعرفة إلى أن المعرفة هي أساس مستدام للميزة التنافسية لأنها تكون نادرة وغير قابلة للاستبدال وتواجه المنظمات المعاصرة على اختلاف أنواعها موجة من التحولات والتغيرات المتسارعة التي تجتاح عالم اليوم وفي مقدمتها الثورة المعلوماتية والتقنية، تلك الثورة التي تعتمد المعرفة العلمية المتقدمة والاستخدام الأمثل للمعلومات المتدفقة الناتجة عن التقدم الكبير في تقنيات الحاسب الآلي والشبكة العالمية للاتصالات) الإنترنت (ونتيجة لتلك التحولات أصبحت المعرفة تمثل المصدر الاستراتيجي الأكثر أهمية، بل وأصبحت العامل الأكثر تأثيرا أو سيطرة في نجاح المنظمة أو فشلها ومن الأهمية بمكان التساؤل حول ما إذا كانت المنظمات قادرة على الاحتفاط ونقل الخبرات والمهارات والمعارف الموجودة لدى العنصر البشري داخل المنظمة والذي يمثل ثروة الشركة إلى الموظفين الآخرين للحصول على الميزة التنافسية في السوق حيث ستطبح هذه المعارف والمهارات أكثر فائدة عند مشاركتها ولا يزال رأس المال البشري يشكل قوة استرشادية في الجهود المبذولة للاستفادة من إمكانات الموظفين للتميز التنظيمي وينطبق ذلك بصفة خاصة على المنظمات العامة التي تتوق إلى اجتذاب الأشخاص المناسبين للحصول على أداء متميز في سوق عمل يزداد تنافسا وتشير نظرية رأس المال البشري أيضا إلى أنه ليس جميع العاملين يمتلكون المعرفة والمهارات التي لها أهمية استراتيجية متساوية للمنظمة وبالتالي ستسعى المنظمات إلى الاحتفاظ بالموظفين وتطوير مهمتهم.

ويشكل الاهتمام وتنمية الأفراد العاملين في المنظمة وسيلة فعالة بإمكان المنظمة استخدامها من أجل تجديد نشاطها وحيويتها باستمرار والرفع بقدرتها على مواجهة التغيرات على مستوى البيئة الخارجية والداخلية لأنها تثق في القدرات العلمية والسلوكي والعملية للعاملين فيها وساهم تزايد حجم ونوعية المنافسة المحلية والعالمية بين المنظمات وتسابقها لتقديم الجيد والأفضل في السلع والخدمات لتحقيق رضا العملاء في تزايد الاهتمام وتأكيد الإدارة على الدور الاستراتيجي الذي يلعبه التدريب والتنمية في الوصول بالموارد البشرية إلى أن تكون ذات قدرات ومهارات ومعارف عالية المستوى لتمكينها من الإبداع والابتكار وتقديم الجديد والأجود من المنتجات وتحقيق الميزة التنافسية للمنظمة إن فاعلية الأداء الفردي والجماعي وكفاءته وأداء المنظمة بشكل عام يتوقف على قدرة الأفراد العاملين فيها على أداء الاعمال المناطة بهم بفاعليه وكفاءة عالية وتوافر الرغبة لديهم للقيام بهذه المهام والتدريب بدوره يزيد من هذه القدرات والمهارات مما يؤدي إلى زيادة رغبة العاملين في العمل ويحفزهم عليه فهو يسهم في تزويد الفرد بالمعلومات المطلوبة في عمله لتحسين أدائه ويمثل أيضاً فرصة ذهبية للانتقال وتحسين المستويات ولذا كان لابد من معرفة الاثر الحاصل من تطوير رأس المال البشري كأحد العناصر التي تنفق المنظمات عليها الأموال الطائلة على أداء العاملين في المنظمات حتى تعيد هذه المنظمات حساباتها في مجال التطوير ومقدار التكلفة مقارنة بالعائد.

 

      وتدعي كثير من الشركات والمنظمات اليوم الاهتمام بالعنصر البشري وأنها تقوم بالتطوير فيه بالطريقة السليمة ولكن المشاهد للعمليات والإجراءات التي تقوم بها تلك المنظمات وطريقة احتساب مواضيع التدريب والتعليم والتطوير وكيف يتم التعامل مع الموارد البشرية المؤهلة والمدربة تجد أنها تتعامل مع الموارد البشرية على انها تكاليف لا على أنها استثمار وهذا هو الفارق بين المنظمات التي تهتم بالعنصر البشري وتلك المنظمات التي تأخذ العنصر البشري كتكلفة  ولذا كان لزاماً على الشركات التي تسعى للمنافسة و تغيير آلية النظر والتعامل مع الموارد البشرية ويبدو من خلال اعمال الباحثين شولتز وبيكر بأن الخيار الوحيد امام المنظمات حتى تضاعف نواتج نشاطاتها والزيادة في دخلها يتمثل في توفير الإمكانيات الضرورية والتطوير في مواردها البشرية وذلك عن طريق تدريبهم وتعليمهم من أجل تنمية وزيادة الطاقات والقدرات اللازمة لأداء الأعمال ومواجهة التحديات هناك مجموعة من النظريات التي تحدثت حول التحسين في رأس المال البشري باعتباره من العناصر المهمة في المنظمات والتي لابد أن تعيره المنظمة أهمية كبرى في مجال الإنفاق والعائد من هذه العملية وهناك من تحدث عن الموارد البشرية على أنه عنصر من عناصر المنظمة فحسب لكن الحاصل في العصر الحديث هو الحديث عن هذا العنصر كمورد للمنظمة يعود لها بالنفع والفائدة المادية والمعنوية والتسويقية ويجب الحديث عن المورد البشري على أنه الميزة التنافسية بين المنظمات والتي يجب ان تتنافس المنظمات في سبيل رفع قيمة هذا العنصر الذي يعتبر مورد للارباح المادية إذا أحسن تطويره وتوجيهه في الاتجاه المناسب وبالطريقة السليمة.

 

تعليق عبر الفيس بوك