الرؤية "العاشرة"

 

د. رضا بن مهدي اللواتي

في ظل ضمور الاهتمام بالإنتاج الورقي عموماً، والصحافة الورقية خصوصاً؛ برزت جريدة "الرؤية" في عقدها الأول من خلال تغيير بوصلة الصحافة النمطية من كونها جريدة تنشر ما تنشره مثيلاتها المحلية الأخرى، إلى كونها مؤسسة صحفية ثقافية متعددة المشاريع؛ حيث كانت "الرؤية" حاملة لواء المشاريع الثقافية والمجتمعية الوطنية من جائزة الرؤية لمبادرات الشباب و"جائزة الرؤية الاقتصادية، تُعنى بدفع وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى مشروع مكتبة السندباد المتنقلة والذي أخذ على عاتقه غرس حب الاطلاع في نفوس الأطفال والناشئة من خلال رحلاته المتعددة في أرجاء السلطنة. إذن نحن أمام مشروع متعدد الجوانب وبإستراتيجية مميزة خرج عن عباءة الصحافة الورقية التقليدية إلى منظومة مشاريع ثقافية اقتصادية مجتمعية مختلفة.. والسؤال الذي يُطرح: ماذا ننتظر من هذا المشروع الطموح خلال السنوات العشر المقبلة؟

من شأن المؤسسات الثقافية والإعلامية المساهمة في الإنتاج المعرفي وليس فقط نقل الخبر كما هو أو كما يراد أن يُرى، وهذا الهدف نحتاج فيه إلى تكاتف الجهود من قبل المؤسسات الثقافية والإعلامية أو الاستثمار في التدريب والتعليم المبنية على أسس مهنية؛ حيث آن الأوان لأن تكون لدينا كفاءات إعلامية متخصصة، وأن لا يكون هذا الإعلامي ناقلاً للخبر فقط سواء المسموع أو المرئي أو المكتوب كما هو واقع الحال الآن، بل له أن يتعدى ذلك إلى الإنتاج المعرفي؛ حيث ينبغي للإعلامي أن يكون متخصصا في مجاله، وليس خريجا من كلية الإعلام فقط، فيكون قارئًا متعمقاً عارفاً بالموضوع الذي يتحدث فيه أو يكتب عنه حتى تكون لكلمته قيمة معرفية يُسهم من خلالها بتطوير مجتمعه؛ فنكون بذلك مُصدِّري المعرفة ولسنا مُستوردي الأخبار فقط. فالقيمة الإضافية للإنتاج المعرفي تفوق كثيراً القيمة الاقتصادية لإنتاج البضائع؛ وذلك لأن الإنتاج المعرفي والإنتاج الإعلامي تأثيره أوسع وأعمق من إنتاج البضائع التي تعود بالفائدة المالية على المستثمر فقط، إضافة إلى الأهمية القصوى للإعلام المميز الذي يمكننا من خلاله التأثير في الواقع ومجابهة الإعلام السوقي الذي ليس له إلا التأثير السلبي على الرأي العام وتغيير بوصلة الأهداف وإبعاد الإنسان عن الخير وتأجيج ثقافة الاستهلاك.

وفي ظل تطور المجتمعات وتشعُّب العلوم والسياسات وتعدد الأقطاب الرأسمالية، نأمل أن نرى معهدا متكاملا للصحافة المتخصصة؛ حيث نربي جيلاً صحافيًّا متخصصًا؛ فالصحفي الاقتصادي ينبغي له أن يكون متخصصاً في الاقتصاد؛ والصحفي السياسي يجب أن يكون مطلعاً اطلاعاً واسعاً بالفلسفة السياسية وبالتاريخ والجغرافيا...وهكذا، وبعدها نستطيع أن ندَّعي أن لدينا صحافة.

إنَّ المشاريع المتعددة التي تميزت بها "الرؤية" خلال عقدها الأول كان لها الدور الريادي في تحريك المياه الراكدة؛ فكان الكل ينظر للحكومة ومؤسساتها في العمل الإعلامي والثقافي والاقتصادي؛ فإذا بـ"الرؤية" تطرح مبادرات عدة لم يسبق للشارع العُماني أن يتوقعها من مؤسسة تجارية مستقلة. ونأمل من فريق "الرؤية" أن يأخذ على عاتقه إنشاء معهد متخصص للتدريب الإعلامي؛ وذلك بتدريب المتخصصين في شتى العلوم من الإقتصاد والسياسة على الكتابة الصحفية المتخصصة، وأن تكون هذه المؤسسة نواة لمركز أفكار يحلل السياسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأن يكون الاعلام مشاركا في السياسات الكلية في البلاد، فخريج الإعلام لا يدرس الاقتصاد أو السياسة والعلوم الأخرى، والتي من شأنها أن تكون منتجة للمعرفة وناقدة للافكار والأطروحات المختلفة.

نُبارك للأستاذ القدير المكرم حاتم الطائي على بلوغ مشروعه السنة العاشرة، ونأمل أن يوفق في مشاريعه القادمة.

تعليق عبر الفيس بوك