الأول من يناير 2020

د. عبدالله باحجاج

بدأ العد التنازلي لانطلاقة المركز الوطني للتشغيل في يناير المقبل، بعد أن أعطي الفترة الزمنية الكافية والكاملة للتفكير والتدبير والتخطيط وإقامة هياكله وآليات عمله وخططه، ولم تتسرب أية معلومات عن خطواته الأولى في يوم انطلاقته، لكنها يفترض أن تكون في مستويات المساحة الزمنية التي مُنحِت له، وكذلك في حجم الآمال المعقودة عليه، وكذلك في مستوى تحديات قضيتي الباحثين عن عمل والمسرَّحين وضغوطاتهما الاجتماعية في العام 2020. ومن هنا، يفترض أن تكون بداية انطلاقة المركز قوية، وتعيد آمال جيل الشباب خاصة، والمجتمع عامة.

فالانطلاقة القوية للمركز تتوقف عليها إدارة قضيتيْ الباحثين والمسرحين، واستيعاب السيكولوجيات الشبابية المحتقنة، بحيث ينبغي أن تجعل من شبابنا منشغلين بانبهار الخطوة الأولى، فهل هناك من يفكِّر في هكذا انطلاقة قوية لقضية البلاد الأولى لأبطال حالة احتقانها ومواجهة تداعيات قضية المسرحين؟ وهل هي الآن جاهزة؟

كل ما نعرفه الآن أنَّ المركز الوطني للتشغيل قد عرض مؤخرا خطته على مجلس الوزراء، وبدوره باركها، لكن هل بنى خطته من داخل الصندوق الفكري أم من خارجه ؟ في هذا التساؤل، الفارق الذي نبحث عنه في إدارة الدولة لقضيتيْ الباحثين والمسرحين، فإذا كانت حلول المركز من داخله -أي الصندوق- فسيكون يوم انطلاقته تقليديا ونمطيا، وبعيدا كل البعد عن الوعي بالقضيتين وعن حالة الترقب والحذر الشديدتين والحسَّاستين ليوم الأول من يناير المقبل.

ولدينا توجُّس مرتفع من استمرارية التفكير من داخل الصندوق للقضيتين، فمتابعتنا الدقيقة لمشروع موازنة 2020، نجد أنها لم تخرج عن الصندوق في وقت تستوجب مرحلتنا الوطنية إيجاد حلول من خارجه، لان طبيعة المرحلة مختلفة شكلا وجوهرا؛ وبالتالي تحتم التفكير من خارج الصندوق، فالعمل الذكي الواعي باستحقاقات ما يجب فعله عام 2020، يلزم أن يكون يوم انطلاقة المركز نقلة وطنية لقضية الباحثين عن عمل طال انتظارها، ومناسبة مواتية لتغير أنماط التفكير السلبية عند الشباب إلى الإيجابية المتفائلة، وينبغي تكرار التساؤل السابق بالصيغة التالية: هل يوم الانطلاقة سينقل شبابنا للمستقبل أم سيجعلهم في دائرة الأفكار السلبية العميقة؟ هذا سيتوقف على ما دار داخل الإطار الزمني من يوم الإعلان عن إقامة مركز وطني للتشغيل في فبراير 2019 وحتى يوم الانطلاقة في الأول من يناير 2020.

ففي هذا الإطار الزمني، يُفترض من المركز بعد تشكيل هياكله وكوادره أن يكون قد قام بعدة جلسات عصف ذهني مع خبراء ومفكرين من داخل وخارج البلاد، ومن ثم القيام بمسح شامل للفرص الوظيفية الآمنة في قطاعات اقتصادية كبيرة، وتقديمها للباحثين منذ أول يوم انطلاقته، لأنه لا يتصور منه أن تكون بداية الانطلاقة بداية اكتشاف الفرص، والتنسيق مع القطاعات الاقتصادية، وفي مرحلة لاحقة عرضها على الباحثين، فهذا إن حدث سيعبر عن قدسية تمسكنا بالصندوق وعدم الخروج عنه، وبالتالي علينا أن نبحث عن التفاؤل من جديد خارج الفكر الاقتصادي الحكومي.

ومن الفرضيات أن يكون المركز قد فتح ملفَّ فرص العمل التي عرضتها بعض الشركات الكبيرة مؤخرا، فإحداها وعدت بتوفير 21 ألف فرصة عمل خلال العام الحالي 2019، وأين هذه الفرص، وهذا العام على وشك الرحيل؟ وكانت قد أوضحت كذلك أنها قد وفرت 17 ألف فرصة عمل العام الماضي 2018؟ ما مدى صدقها أو مصداقيتها؟

وكذلك ظهور مسؤول بارز، وعد المجتمع بأكثر من 21 ألف فرصة عمل خلال السنوات: 2019، 2020، 2021 من خلال استقطاب استثمارات إقليمية كبيرة في منطقة ريسوت الحرة، وتلكم أمثلة فقط من عروض وظيفية معلنة، يستوجب من المركز الآن أن تكون لديه خارطة طريق بها، ورؤية واضحة لمدى استحقاقها أو صدقيتها؟

وبالتالي، ينبغي أن تكون هناك مكاشفة وشفافية بل ومساءلة في حالة ما إذا اكتشف المركز أن الشركات كانت تتلاعب بمشاعر وعواطف المواطنين، أما إذا ما كانت صادقة، فإنه يعني أن هناك الآلاف من فرص العمل الحقيقية يُنتجها اقتصادنا العماني تبعدنا عن الحلول السياسية.

قد يُعاب على تلكم الفرص أنها لم تذهب إلى المواطنين، وإنما المستفيد منها الأجانب، وقد دخل البعد الخليجي كمنافس على فرص العمل التي تنتجها مشاريع اقتصادية ضخمة في بلادنا -وسيكون لنا معها مقال خاص قريبا- كما أن التفكير بشأن الفرص لا تحتل مركز اهتمامات المؤطرين والمسيرين لمشاريعنا الاقتصادية ذات البُعد الجيوإستراتيجي، اهتماماتهم مختلفة تماما، وفي اتجاهات معاكسة.

وهذا منطقة امتياز عمل المركز الوطني للتشغيل؛ حيث يُفترض أنه قد قام بدراسة فرص العمل في منطقة الدقم التي تصرف عليها موازنة الدولة المليارات سنويا، وكذلك الموانئ البحرية الرئيسية في البلاد، والمرافق اللوجستية التابعة لها.. وتتوافر لديه الآن خارطة بالآلاف من فرص العمل في هذه المشاريع الآنية ومتوسطة وطويلة الاجل؛ فهى إذا لم تخدم قضية الباحثين على وجه الخصوص، فإن فتح ملف الجدوى الاقتصادية الوطنية منها قد أصبح من الحتميات العاجلة، علما بأن الحكومة تلوح دائما بأنه من الأهداف الأساسية للمشاريع الاقتصادية والخصخصة، يأتي توفير الوظائف في مقدمتها، فهل هي كذلك الآن؟

ومن يقينيات قناعاتي أنه إذا لم يكن لدينا سوى منطقة الدقم فقط لكفى بها طموحا عاليا، يؤمن لنا فرص العمل لكل شبابنا؛ فهى اقتصاد كامل ومتكامل في ذاته، حيث تحتوي على ثماني مناطق تطوير اقتصادي وخدمي؛ وهي: ميناء متعدد الأغراض، وحوض جاف لإصلاح السفن، وميناء للصيد، ومناطق سياحية وصناعية ولوجيستية، ومدينة تعليمية، ومدينة سكنية حديثة، ومصفاة للنفط، وجميعها مخدومة بشبكة نقل متعددة الوسائط تشمل مطاراً إقليميًّا وميناء متعددَ الأغراض وسكة حديدية وشبكة طرق نقل بري تربط الدقم بمناطق السلطنة المختلفة ودول مجلس التعاون، ومن ثمّ منطقة الشرق الأوسط، وشرقي إفريقيا، وجنوب شرقي آسيا، وتُعدّ المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم الأكبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تمتد على مساحة قدرها 2000 كيلومتر مربع وشريط ساحلي طوله 70 كيلومتراً، كما تصنف ضمن المناطق الاقتصادية الكبرى في العالم.

فكل أبناء الوطن يمكن أن تستوعبهم هذه المنطقة، فكيف وبلادنا لديها كذلك من المقومات الأخرى الموازية لها في حجمها وفي جيوإستراتيجيتها، فإذا لم تستوعب هذه المشاريع كل أبنائنا، فيقينا المشكلة تكمن في إدارتنا لها، ومصفاة الدقم نموذجا، وستكون انكشافا مثيرا لقضية الباحثين عن عمل.

هل ذهبت اهتمامات المركز الوطني للتشغيل إلى الدقم ومواني صحار وصلالة والمناطق الحرة والشركات النفطية والغازية...إلخ  لمعرفة الواقع وإمكانياته، أم تنتظر منها التقارير المكتبية؟ من المؤكد بل من اليقينيات أنها ستكشف مجموعة اختلالات في مجال فرص العمل على الأقل، ويفترض أن يكون لديه -أي المركز- الآن خارطة عامة وشاملة بفرص العمل التي تنتجها فورا وعلى المدى المتوسط والطويل تلكم المشاريع والمناطق الاقتصادية والنفطية والغازية، ويعمل على تسكينها من قبل الباحثين عن عمل من الآن، فبلد مثل بلادنا لديها مثل تلكم المقومات الاقتصادية الضخمة، كيف يستصعب عليه توفير العمل والتوظيف لسكانها المحدود عدديا؟

من تلكم اليقينيات والفرضيات، وما وصلت إليه مرحلتنا الوطنية من تحديات مرتفعة، نترقب يوم انطلاقة المركز الوطني للتشغيل في الأول من يناير المقبل، بهاجس التفكير من داخل الصندوق، فلو خرج سيجد الأبواب أمامه مفتوحة لحل قضيتي الباحثين عن عمل بشقها الثابت والمستجد "المسرحين". إما إذا ما وضع ذاته "فكرا ومسارا" أسيرا لهذا الصندوق، فسيبدو الحل ليس صعبا بل مستحيلا، وسيكون ذلك اليوم تأكيدًا لمطلق فقدان الفعل.. عندها ستتجه البوصلة إلى مسارات فوقية!!!!