اللجوء.. محطات وإرهاصات

 

 

يوسف عوض العازمي

 

"إذا تفوهت بالعديد من التلميحات الذكية فأنت رئيس وزراء وإن دونتها فأنت شكسبير" جورج برنارد شو.

 

كلفت قبل فترة بإنجاز بحث، وكان الاختيار عن اللاجئين العرب في أوروبا، نظرا لسخونة الملف، ومآلاته على عدة صعد، ومما لاحظت أثناء البحث عن موضوع اللاجئين في أوروبا، وجدت عدة معلومات عن هذا الأمر، لكني توقفت عند خبر نشر في أحد المقالات بالموقع الإلكتروني لقناة DW الألمانية وسأورده بالنص: في أوج هجرة اليهود، كان هناك 600 ألف لاجئ روسي يعيشون في ألمانيا في عامي 1922 و1923، أكثر من نصفهم في العاصمة برلين. كانت ألمانيا بالنسبة لمعظمهم مجرد محطة توقف في طريقهم إلى الغرب. فبعد خمس سنوات، أي عام 1927، لم يكن هناك سوى 150 ألف روسي يعيشون في ألمانيا، والسبب يرجع بشكل كبير إلى تقييد حريتهم ونقص الدعم القانوني أو الاقتصادي للاجئين، بحسب منظمة Mediendienst Integration.  (1) (انتهى الاقتباس)، أي أن الأمر ليس جديدا تاريخيا، بل حتى الهاربين من دول أوروبا الشرقية إبان حكم الحقبة الشيوعية كانت ألمانيا الغربية (وقتذاك) هي جهة مفضلة لهم، وبالطبع ينسحب الأمر على لاجئين من بلدان مختلفة كثيرة.

سأنتقل لسياق آخر وإن كان بنفس الموضوع، وهو أنّ أزمة اللاجئين تعتبر من عوامل رئيسية ساهمت في صعود الحركات اليمينية بأوروبا خاصة في ألمانيا، ففي بلاد الجرمان اختلفت ردود الأفعال تجاههم، بين مرحب ورافض، وكلٌ له أسبابه، وهنا ندخل على مجالات اقتصادية واسعة كالبطالة واحتمال احتكار العمالة الوافدة من اللاجئين لعدد من الوظائف ذات المردود المالي الأقل، وغيرها من العوامل المعرقلة لتوظيف الأيدي العاملة الألمانية، أيضا هناك آراء نشرت وانتشرت على نطاق واسع ومنها وهو الأهم أنّ الشعب الألماني هو شعب هرم من ناحية المعدل العمري، وأمّا الطرف المقابل وهو اللاجئين فغالبية منهم في سن الشباب، وهذا يعطي تعويضا لنقص الأيدي العاملة، ويأتي بعمالة وإن لم تكن مؤهلة (هكذا يعتقد الكثير) لكن بالإمكان تدريبها وصقل مهاراتها وترتيبها كعمالة فنية منتجة ومفيدة، وكذلك رخيصة الثمن من ناحية الأتعاب والأجور.

نرجع لأمر آخر وهو الناحية الثقافية والاجتماعية، فمن ناحية الثقافة سندخل أولا إلى الدين، فالغالبية هم من الدين الإسلامي، وقد يكون بينهم متشددون ومن خلفية متطرفة، لديهم أفكار معينة حول المرأة وحقوقها، وكذلك من ناحية بعض الأمور كالحجاب أو التعليم المشترك.

أمّا من الناحية الاجتماعية فهناك أفكار معلنة حول كيفية الاندماج أو إدماج هذه المجموعات في المجتمع الألماني، وكذلك يدور حديث حول إمكانيّة تقبلهم نمط المعيشة في أوروبا عامة وألمانيا بشكل خاص. من الناحية السياسية وسأتحدث عن اليمين في أوروبا، لا شك أنّ اليمين أو الأحزاب اليمينية تقتات على الأزمات، كالإرهاب والإسلاموفوبيا (كما ذكرت في مكان سابق من هذا البحث) وكذلك أصبح توافد اللاجئين وفتح بعض أسواق العمل لهم بمثابة دفعة لصعود اليمين، حيث يركز الطرح اليميني على مثل هذه القضايا، وهنا لا أحدد بلدا معينا بل أوروبا عامة، ففي فرنسا رأينا كيف استفادت الأحزاب اليمينية من أحداث الإرهاب سواء في سان دوني أو غيرها، وحاولت ونجحت أحيانا في استقطاب أصوات الناخبين الفرنسيين تحت حجج الإرهاب. حتى في شعارات الأحزاب اليمينية لا توجد مبادئ ذات بعد تنموي أو سياسي مؤثر أو اقتصادي فاعل أو ثقافي، فقط استغلال للأزمات مع ضخ شعارات مناهضة للاجئين وتخويف المواطنين من مغبة استيلاء الوافدين الجدد على وظائفهم وأرزاقهم، غير ذلك لا توجد مبادئ سياسية حقيقية لهذه الأحزاب المتطرف أكثرها.

معروف أنّ الدول الأوروبية تحكمها أو تحكم أكثرها مبادئ ليبرالية واقعية، من حيث الترحيب باللاجئين، وكذلك الثلاثية الأمنية وهي (الامن/ الهوية/ قيمة الإنسان) وقبل عام 2011م لم تختبر هذه الثلاثية باختبار كما حصل بعد هذا العام، والسياسات الأوروبية تنظر للجانب المصلحي العام أكثر من الأخلاقي، فمصلحة الدولة خط لا يمكن تجاوزه، وحقوق الإنسان تبرز الأهمية القصوى لأهميته، كدولة تقدر الإنسان وتتعامل معه بغض النظر عن العرق والجنس والدين، وقد وجدت الدول الأوروبية نفسها أمام اختبار حقيقي يبين مدى انسجامها مع مبادئها.

مثلا كانت ألمانيا منفتحة على اللاجئين؛ أمّا النمسا فلم تكن متحمسة، وهنغاريا وبلغاريا تشددتا في ملف اللاجئين، بينما سلوفاكيا وافقت على استقبال خمسة آلاف لاجئ بشرط أن يكونوا مسيحيين، هناك دول اشترطت أعمارا معينة للاستقبال كذلك، وغير ذلك الكثير مما حدث بهذا الأمر الشائك.