إلى متى ننتظر إدخال مادة البرمجة الحاسوبية بمدارسنا؟

 

طلال البلوشي| مسقط


قبل سنوات قليلة دخلت البشرية فيما بات يعرف بالثورة الصناعية الرابعة، يقودها الذكاء الاصطناعي كما قاد المحرك البخاري الثورة الأولى، وقادت الكهرباء الثورة الثانية وقاد الكمبيوتر الثورة الصناعية الثالثة، إلا أن الثورة الرابعة تشهد سلة متنوعة من التطبيقات التي ستعيد تشكيل الاقتصاد كنظام، كما ستفعل سلاسل الكتل (البلوك تشين) الذي ستسحب البساط من تحت أقدام المؤسسات المالية كوسيط وتعزز استخدام العملات الرقمية بالإضافة إلى حصر التبادل التجاري ونقل الملكية بين طرفين كما ستتيح حماية الملكية الفكرية وتحارب البضائع المقلدة والمغشوشة، وتقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد التي ستقلل الحاجة إلى نقل المنتجات من المصانع إلى الأسواق بالإضافة إلى طباعة أشياء لا يمكن تصورها كالأجهزة الحيوية للإنسان، وتقنية المركبات الذاتية القيادة والتي ستساهم في تغيير واقع نقل البضائع ونقل الركاب، وغيرها من التقنيات التي ستساهم في تغيير شكل الحياة على الأرض، كتطبيقات الهواتف وأتمتة الأعمال القائمة على المعرفة، وتقنيات الواقع الافتراضي وأمن المعلومات والتي لا يتسع المقال لتفصيلها.

 تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة كافة ترتكزعلى البرمجة الحاسوبية بمختلف لغاتها، ولأنها تتطلب توفر جيش من المبرمجين، حرصت العديد من الدول كاليابان والهند والصين وكوريا الجنوبية على بناء كتائب لا حصر لها من المبرمجين، لأنها تعلم أن مستقبل قيادة هذه الثورة بيد الدول التي تمتلك أكثر وأمهر المبرمجين، لذا نجد أنها وفرت لمواطنيها السبل كافة من أجل تعلم لغات البرمجة، في المدارس والمعاهد والجامعات.

ولأن البرمجة تتطلب مهارات وقدرات خاصة، يتم تعليم أكبر عدد من الطلبة عليها، ليواصل في ذلك المجال من يُظهر أكبر قدر من تلك المهارات، وبالتالي تزويد سوق العمل المحلي بما يلبي احتياجاته من المبرمجين؛ بل أن بعض الدول أضحت تصدر الفائض منهم إلى الدول الأخرى.

وبالنظر إلى الدول العربية نجد أن الكثير منها يعتمد على الوافدين لسد احتياجاته المتزايدة من المبرمجين، مما يجعل تلك الدول عرضه لخسارة قدر كبير من الأموال التي تحول إلى الخارج، كما أنها تفقد الخبرة التراكمية التي يكتسبها المبرمج الوافد برحيله مع أول عرض مغرٍ يتلقاه من دولة أخرى، بالإضافة إلى التهديد الذي يتعرض له أمن المعلومات كون أن ذلك المبرمج الوافد يسيطر على مداخل ومخارج البرامج والأنظمة التي يبرمجها كافة، وكثيرا من تلك البرامج تتعطل برحيل مبرمجها، والأمر من ذلك أن الدول التي لا تهتم بالبرمجة لن يكون لها نصيب من الأسواق الجديدة التي تولدها تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، والتي تقدر قيمتها بالترليونات، وستعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية بتفشي البطالة فيها.

ومن أجل أن تضع سلطنة عمان نفسها على خارطة الدول الرائدة في مجال تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، فإن أول خطوة يجب أن تخطوها هو إقرار مادة البرمجة ضمن المواد الدراسية من الصف الرابع كمادة أساسية لا تقل أهمية عن باقي المواد الدراسية  كالرياضيات والعلوم ومادة اللغة الإنجليزية وغيرها ولا يكتفى بجعلها جزءًا من مادة لتقنية المعلومات، مستفيدة من العدد الكبير من المناهج المصممة لتعليم الطلاب البرمجة بطرق سهلة جاذبة تناسب أعمارهم المختلف، والتي تتوفر أيضا في صيغ تتيح التعلم الذاتي.

إن ما تمَّ إحرازه في مجال تكنولوجيا المعلومات رغم أهميته وأثره على حياة الإنسان، يعد لا شيء أمام ما ستشهده البشرية من تحولات مذهلة، ستتيحها شبكات  (5G)و (6G) التي ستعزز استخدام تطبيقات إنترنت الأشياء وتحدث طفرة كبيرة في المركبات الذاتية القيادة بالإضافة إلى حواسيب "الكوانتم" الفائقة الأداء والتي ستتيح سرعة معالجة عالية ومساحات تخزين ضخمة، بالإضافة إلى أنظمة العمل التي ستحل محل الكادر البشري ليس في مجال العمل الروتيني البسيط بل ستتعدى ذلك إلى القيام بمهام معرفية فكرية وبدقة تتجاوز قدرات الإنسان في مجالات معقدة كالطب والمحاماة وغيرها من المهن.

تعليق عبر الفيس بوك