سالم بن لبخيت كشوب
تزايدت في الفترة الأخيرة ظاهرة المُسرحين من أعمالهم في العديد من شركات القطاع الخاص بالسلطنة في مشهد لم يعهده المجتمع منذ مدة طويلة، كلنا نعلم أنَّ هناك أزمة اقتصادية أثرت على العديد من القطاعات الاقتصادية ولكن لم نكن نتوقع أن يصل هذا التأثير إلى تسريح القوى العاملة الوطنية لاسيما وأنها تتزامن مع مسألتين الباحثين عن عمل والترقيات وبالتالي هذه المشكلة تتطلب تضافر جهود كافة الجهات ذات العلاقة لمُعالجة تأثير هذه المسألة لأننا نتحدث عن مسرحين لم يكن لهم أي ذنب أو مخالفات وإنما بدون سابق إنذار يتم إخطارهم بإنهاء عقودهم وأغلبهم مسؤولين عن أسر وعوائل ولديهم التزامات مالية سواء للبنوك أو جهات التمويل المختلفة أو متطلبات الحياة المختلفة.
دعونا نحلل مشكلة المسرحين بطريقة مبسطة دون أي تعقيدات أو مفاهيم قد تصعب على غير المتخصص في الأمور الاقتصادية، كثير من الملتحقين بشركات القطاع الخاص هم ممن لم ينال أو يحظى بفرصة العمل في القطاعات الأخرى وتوجه للعمل في تلك الشركات التي حظيت بالكثير من المزايا والتسهيلات المقدمة من قبل الحكومة خلال سنوات النهضة المباركة متحملاً في أحيان كثيرة العمل بأماكن بعيدة عن أسرهم وبرواتب ومزايا أقل، من أجل لقمة العيش الكريم له ولعائلته ولمُواكبة متطلبات الحياة، الكثير منهم أخذ قروضاً سواءً من البنوك أو شركات التمويل المختلفة وبالتالي التزامات مالية شهرية تجاه تلك الجهات التمويلية على الرغم من رواتبهم المتدنية على أمل إما زيادة رواتبهم مقارنة بسنوات الخبرة الموجودة لديهم أو الحصول على فرص وظيفية في أماكن أخرى يستطيعون من خلالها رفع مستوى معيشتهم للأفضل ولكن الذي حصل للأسف تسريح بدون سابق إنذار للعديد من القوى العاملة الوطنية بذريعة الأزمة الاقتصادية وبالمقابل زيادة القوى العاملة الوافدة في تلك الشركات وبمزايا وحوافز كثيرة وبالتالي انتقلت هذه الفئة من خانة موظفين إلى خانة باحثين عن عمل بين ليلة وضحاها وأمام التزامات مالية ملقاة على عاتقها، مما يضعنا في تساؤل هل مسلسل التسريح المفاجئ للقوى العاملة الوطنية بدون أي مُقدمات هو نوع من فرد العضلات لتلك الشركات أم بالفعل أزمة اقتصادية تؤثر على استمرارية تلك الشركات إلا بتسريح القوى العاملة الوطنية دون تخفيض في القوى العاملة الوافدة؟
كُلنا تابعنا التفاعل الكبير من قبل المواطنين مع هذه القضية في وسائل التواصل المختلفة وبالتالي نتمنى أن يتم إيجاد حلول علاجية سريعة عاجلة وليس إبرا علاجية مؤقتة سواء من قبل وزارة القوى العاملة بالتعاون مع اتحاد عمال السلطنة أو من خلال أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى أو من خلال الجهات الحكومية ذات العلاقة، من أجل إرجاع هؤلاء المواطنين المسرحين إلى أعمالهم أو تحويلهم إلى جهات أخرى من جانب ومن جانب آخر العمل على عدم تكرار مثل هذا التسريح الذي سيعد مؤشرًا على عدم قدرة القطاع الخاص على استمرارية القوى العاملة الوطنية فيه ولن يكون من ضمن القطاعات المحفزة والمشجعة على توجه القوى العاملة الوطنية فيه وبالتالي إن جاز لنا تقديم بعض المقترحات أو الحلول المؤقتة لهذه المشكلة التي تؤرق الكثير من الأسر التي تضررت من ظاهرة التسريح.
وهذه المقترحات تشمل: تحويل مبالغ التدريب سواء الخاصة بالتدريب أو المقرونة بالتوظيف التي للأسف لم تجدِ أي فائدة ملحوظة أو تساهم في توفير فرص عمل ذات استمرارية كمنح مؤقتة تقدم لهؤلاء المسرحين الذين لديهم متطلبات والتزامات لابد أن يتم تسديدها بشكل مستمر. وأن يكون للبنوك وجهات التمويل المختلفة موقف وطني إزاء هذه القضية والنظر لها من باب المسؤولية الاجتماعية بعيدا عن المنظور الاقتصادي الاستثماري فهذه الفئة من أبناء الوطن يتطلب من كافة الجهات الوقوف معها وبالتالي نتمنى أن يتم مراعاتهم سواء من خلال تسهيلات في فترة سماح أو إعادة جدولة القروض والأقساط الشهرية بشكل يساهم في التقليل من تبعات هذا التسريح.
الكثير من الجهات والشركات لديها بنود مالية ضمن مسؤوليتها الاجتماعية وبالتالي يتم تحويل جزء من تلك المبالغ لمساعدة المتضررين من هذا التسريح حيث للأسف العديد منهم يواجه أمورا قضائية وتحويل ملفاتهم للمحاكم وبالتالي نتمنى من الجهات التشريعية والقضائية النظر بنوع من العاطفة الوطنية المتجردة من المسؤولية والإجراءات القانونية المتبعة إزاء هذه الفئة المتضررة من الأزمة الاقتصادية تطال كافة العاملين في كافة الجهات والمؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة وعندما نتحدث عن شركات القطاع الخاص نتمنى الوقوف بحزم أمام الشركات المُسرحة للقوى العاملة الوطنية وإشعارها بأن القوى العاملة الوطنية خط أحمر لا يمكن المساس به والمساهمة معها في تحمل جزء من رواتب القوى العاملة الوطنية في حال أن تلك الشركات لا يوجد لديها أعمال ومناقصات حالياً كنوع من التشجيع والدعم لها مع يقيننا التام أنه ليس من المعقول أو المنطق أن تكون لدى الشركات مئات من القوى العاملة الوافدة ولا يوجد لديها أعمال ومناقصات.
ختاماً حديثنا عن أهمية الوقوف مع المسرحين من القوى العاملة الوطنية ليس معناه عدم الوقوف مع إخواننا الباحثين عن عمل أو الوقوف ضد شركات القطاع الخاص ولكن أزمة المسرحين بدون سابق إنذار ولديها الكثير من الالتزامات والارتباطات المالية تتطلب من الجميع الوقوف معهم ومساندتهم والعمل على إيجاد حلول مرضية لكافة الأطراف تضمن استمراريتهم والعمل على إعطائهم حوافز إضافية تساهم في تحفيز العمل في القطاع الخاص لأنه للأسف مع انتتشار هذه الظاهرة أصبح التشجيع للعمل في هذا القطاع نوعاً من المخاطرة والمجازفة وكلنا أمل ويقين في إيجاد حل سريع ومرضٍ لمعالجة هذه المسألة.
من النطق السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وأمده بالصحة والعافية والعمر المديد في العيد الوطني الثاني والعشرين المجيد " على القطاع الخاص أن يُوظف إلى أقصى حد ممكن مختلف صنوف الدعم الحكومي التي أتيحت له لتحقيق الغاية المنشودة، وبما يخدم الوطن والمُواطنين. كما أنه مطالب إلى جانب ذلك بطرح مبادراته الخاصة الرامية إلى مشاركة الحكومة في الوصول إلى هذا الهدف في أقرب وقت، إن القطاع الخاص هو المستفيد الأساسي، في نهاية المطاف، من عملية تدريب وتأهيل العمانيين، وذلك نتيجة لما تؤدي إليه من إحلال للعمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، التي يؤدي تزايدها إلى سلبيات عديدة، لهذا فإنَّ الواجب الوطني، بل وحتى المصلحة الخاصة لهذا القطاع تقتضي أن يسهم بدور حيوي بارز لا يقل عن دور الحكومة في تنمية الموارد البشرية الوطنية وذلك بإعداد وتوظيف الإنسان العماني لكي يصبح قوة عمل مُنتجة بدرجات متفاوتة من المهارة حسب قدراته وطاقاته وفرص العمل المتاحة لتشغيله".