قصة قصيرة:

رقم الحظّ 3

 

لميس الزين | سوريا

 

لابدَّ من سماعِ ماذا يقولُ برجُه، لن يتمكَّنَ من الخروج من المنزل من دون ذلك الروتين اليومي الذي واظبَ عليه لسنوات. رفعَ صوتَ التلفاز ليصلَه إلى المطبخ. أغنية لفيروز "جميل" قال في نفسه، "لم تبدأ فقرة الأبراج بعد"، اتجه للثلاجة وهو يدندنُ. سيتناولُ شطيرةَ وكأسا من الشاي ثم يرتدي ملابسَه ليلحق بالاجتماع الذي لم يتبقَ على موعدِه أكثر من خمسٍ وأربعينَ دقيقة. انزلق المَرطبان الزُجاجي من يده فملأت شظايا الزّجاج المكسور الممزوج بسائل الجبن بلاط المطبخ. بعد باقةٍ من الشتائم، أزاح الشظايا بطريقةٍ تكفي لتنقّله بأمان، ريثَما تحضرُ أم صبحي غداً لتقومَ بحملة التنظيف الأسبوعيّة. تجاوز ركن الصباح الأساسي الخاص بوجبة الإفطار؛ لكن لابدَّ من سماع نشرةِ الأبراج. تناولَ قميصَه المُخطّط.

"أخبارنا بداية لمولود برج السّمكة ". هرعَ إلى غرفة الجلوس وهو يزرّر قميصه. انقطعَ زر فانطلقَت تبا أخرى، وبصيغ عدّة. القميص الآخر بالغسيل، وأم صبحي اللعينة لن تأتيَ حتى الغد. شرع بتثبيت الزر حين انطلق صوت المذيعة: "أخبارنا لمواليد برج السهم " تسمَّرَ أمام الشاشة، فالتالي برجه. "عزيزي مولود برج الكلب لديك يوم حافل. تلتقي اليوم بأنثى سيكون لها أثر في حياتك"، ضربَ الهواء بكوعه مُهلِلا، "رقم الحظ ثلاثة" أكملَت المذيعة الجميلة، وهو يربطُ شريط حذائه البنيّ.

نظرَ إلى الساعة صائحاً: "يا إلهي لقد تأخرت".

هبط الدّرجات مثنى مثنى. دولاب السيارة قرَّرَ أن يأخذَ قيلولة. ألقى نظرةً إضافية إلى ساعته ثم أشارَ إلى سيارة أجرة.

في الطريق صمتَ تاركاً للسائق فرصةً لإشباع نهمِه للثرثرة وإفراغ جعبتِه على مسامع راكبٍ منعَه التهذيبُ أن يقولَ: أرجوك، اخرس.

وكما هو متوقَّع فقد وصلَ المبنى متأخِّراً. طالعَه العمُّ أبو أحمد بنظرة مؤنّبة مُتمتِما: "أصلحك الله ". دفعَ بابَ غرفة الاجتماعات بهدوءٍ واتَّخذَ كرسياً في الخلف. كانَ المديرُ يتحدَّث عن السلوكيّات السلبيّة لبعض الموظفين. حمدَ الله في سرِّه أنَّه لم يحدِّد أسماءً، ثمَّ لم يعُد يعي ما تلا من الخطاب فقد سرحَ بخيالِه مُتأمِّلا كلَّ التفاصيل الثانويّة فطالعَ ما تسنَّى له من وجوه الحاضرين. "مَن هذه؟ أوّل مرة أراها. تباً لها ما أجملها! ". كانت تجلسُ في أقصى كرسي من الصفّ الأوّل، استطاعَ أن يرى جانبَ وجهها الأبيض حينَ أزاحَت خصلاتِ شعرِها المتماوجة باللونَين البني والأشقر." يا لسعادتي، يا لهنائي!. هل عيناها ملونتان أم هي عدسات؟. لا يهمّ". جسدٌ ممتلئٌ من دون إفراط هو بالضّبط ما يحبُّه في الأنثى، فلطالما أثارَت نفورُه النحيفات اللواتي يشبهنَ العصا. تذكَّرَ قراءةَ الأبراجِ، ستقابل أنثى يكونُ لظهورها أثراً بالغاً في حياتك. " لابدَّ أنّها هي". صحا من شروده على صوت المدير وهو يقول: " لذلك كان لابدَّ لنا من بعض الإجراءات التصحيحيّة في قوانين المؤسسة". "عدِّلْ ما تريدُ يا أخي، المهمُّ أنَّ أنثاي، ملاكي الحارس ظهرَت أخيراً". ضغطَ المديرُ مُجدَّدا على كلماتِه التي ضغطت بدورِها على أعصابِه وهي تجرُّه جرَّاً من أحلامه المُحلّقة إلى قاعة الاجتماعات:

-        نرحِّبُ بالزُّملاء الجدد؛ الأستاذ محمد نجم في إدارة الموارد البشريَّة.

فكّرَ، هذا مكانُ أبي عمر - عافاه الله -.

-        ثانياً، الأستاذ خير الدين أحمد في إدارة الحسابات.

طبعاً، فالمديرُ القديم نقلوه لفرعِ الشَّركة في السّاحل.

-        ثالثاً، الآنسة ضياء سعيد، في رئاسة الديوان.

 نهضَت حسناؤُه لتحيّي الزُّملاء. لكن .. مهلا! الديوان! رئاسة الديوان! .. أليسَ هذا مكانه؟!

تعليق عبر الفيس بوك