ميلاد جديد.. إرهاب يتمدّد

 

إدريس حنبالي | المملكة المغربية

الموجة الثانية لربيع قد تأخر؛ ربيع لم يكتب له أن يرى النور لأسباب موضوعية ذاتية تنبع من الداخل من جهة، وعوامل خارجية ولّدتها عقود طويلة من التبعية والوصاية والإملاءات؛ ذلك أن استقلال الدول العربية منذ عقود لم يكن إلا استقلالا شكليا وبصحيح العبارة كان فقط  تغييرا  تكتيكيا لقواعد اللعبة.. الاستقلال كما عرفه الجيل السابق كان نتاج نظام عالمي جديد أعقب الحرب العالمية الأولى و الثانية، وكان أن أصبح الحلفاء المكلّلين بالنصر يديرون العالم بعقيدة وحيدة  هي "عدالة المنتصر". ولكي تخلد النصر وتجعله أبديا لابدّ أن تظل الهوامش ضعيفة ومكبّلة وخاضعة وتواقة للشكر والامتنان الذي يلزمها كي تحفظ شعلة النار ملتهبة قوية بتغذيتها كلما لامست روح الإله  نسمة برد.. وعد بلفور واتّفاق سايس بيكو وعقود طويلة من استغلال خيرات المستعمرات الفخورة بما قدّمه أبطالها من تضحيات جسام في سبيل الحرية والاستقلال؛ تأسيس الأمم المتحدة  لأجل حلّ النزاعات و حماية السلم العالمي. ولكن أخيرا تصبح الحقيقة عارية تماما كالشمس؛ وبات لسان حالهم يقول: هذا النظام العالمي العتيق لم يعد يخدم مصالحنا والنار المقدسة أصبحت واهنة باردة تطلب مزيدا من الحطب، سمنا تعشقه ومزيدا من الغاز والوقود.

 والآن بعد تمام عشر سنوات  على اندلاع الأحداث المأساوية ها هي "النار المقدسة" تكاد تخبو وآن لها أن تستعر من جديد.. هذا ما يلوح في الأفق.

في " الشرق الأوسط " ونتيجة لصراع محتدم بين القوى العظمى وإن كانت الكفة ترجح كفة الروس وحلفائهم منذ فترة إلا أن الأمور ليست في خواتيمها بعد المستجدات الأخيرة في العراق ولبنان؛ أما في الشمال السوري فالاتفاق مازال ساريا بين أطراف الصراع وهناك قرار بتصفية الجماعات المسلحة في إدلب وضواحيها. لابد إذن من إخلاء الساحة وإخلائها من كل القرائن التي قد تدين هذا الطرف أو ذاك؛ لابد إذن من ترحيل آلاف المقاتلين إلى أوطانهم على امتداد الكرة الأرضية ومنها دول غربية مؤسسة للأمم المتحدة تدير دواليب مجلس الأمن منذ ظفرها في آخر حرب كونية. " على جميع البلدان أن تستقبل المقاتلين الذين يحملون جنسياتها وتعمل على محاسبتهم " .هكذا صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. رسالة واضحة من أقوى دولة في العالم ومن المستبعد أن تتلكأ هذه البلدان خصوصا منها العربية في تنفيذ هذا الأمر المبرم لكن الإشكال الذي سيصبح مطروحا حينها وهي تعلم منذ سنوات كيف كانت تطبخ كل هذه الأحداث؛ إشارة صغيرة تفي بالغرض.. هؤلاء "المقاتلون " كانوا قد انتقلوا إلى ساحات المعارك بكل أريحية ودون عراقيل وآخر محطة لهم قبل دخول التراب السوري كانت إسطنبول أو أنقرة..

غزوة الرئيس" أردوكان "في الشمال السوري من حيث الظاهر تسعى للقضاء على خطر حزب العمال الكردستاني وثنيه عن تحقيق حلم تأسيس دولة كردية؛ لكن يتضح لنا  في النهاية أن الهدف هو محو كل أثر وقرينة قد تدين مستقبلا تركيا بانخراطها الواضح فيما جرى من أحداث تراجيدية في الجمهورية العربية السورية؛ ليس هذا فحسب؛ كل القنوات العالمية تناقلت تصريحات الحكام الأتراك حول ترحيل مقاتلي ما يسمى " داعش" المعتقلين هناك في سجون "الحزب الكردي" ؛بل لم يتحاشى القادة الأتراك جرد أرقام تتعلق بآلاف تم ترحيلهم فعلا و آلاف أخرى سيتم ترحيلها في القادم من الأيام. الأمر حقيقة يدعو إلى الدهشة؛ هناك دول غربية أعلنت أنها استقبلت عددا من هؤلاء وتستعد لوصول أعداد أخرى. الأعجب من ذلك أن بعض هذه الدول أعلنت أن عدالتها ستحاسب المشاركين في هذه الأحداث ودول أخرى لم تفعل بعد. هل يقصد ترامب فعلا ما يقول ؟هل كان القصد " على الدول المعنية أن تستقبل مواطنيها العائدين من ساحات القتال وتتغاضى عن محاسبتهم "؟.

شهدنا كذلك مشاحنات بين أردوكان وبعض القادة الأوربيين حذّر المتابعون بأنها قد تُفضي إلى انفراط عقد الحلف الأطلسي؛ لكن المفارقة التي تحبس الأنفاس هي عودة الدفء إلى العلاقات التركية الأمريكية ومباشرة بعد ذلك سارعت تركيا إلى تدشين عمليات التنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية الليبية وحتى في المياه الدولية.

لا يمكن إغفال مسألة حساسة تؤثر لا محالة في الأحداث هي إصرار  الدول المغاربية على رفض ترسيم  العلاقات مع الجانب الإسرائيلي برغم الأوضاع المتوترة بهذه البلدان؛ وآخر فصل في هذه الضغوط عودة وزير الخارجية الأمريكي إلى واشنطن مجلّلا بالخيبة بعد إنزاله الفاشل في الرباط.  

لكل هذه الإشارات؛ باتت الخشية الآن من انتقال الصراع بين "الآلهة الأبطال " إلى منطقة الشمال والغرب الإفريقي؛ وأولى البوادر كانت الهجوم العنيف الذي استهدف قاعدة عسكرية فرنسية في مالي وتبنّته "داعش " على الفور، وتجدد المعارك العنيفة بين فرقاء الصراع في ليبيا؛ والعالم رغم كل ما مضى؛ مازال مذهولا  يتفرج وينتظر.

           

تعليق عبر الفيس بوك