الذكاء الاصطناعي يتكلم بلسان العربية في يومها

 

 

صالح بن سالم العلوي **

** رئيس الاتصالات المؤسسية والترجمة بشركة تنمية نفط عمان

 

الحمد لله الذي "ملأ اللغات محاسناً، وجعل الجمال وسره في الضاد" والصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم. في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام يحتفي العالم باليوم العالمي للغة العربية، وذلك إحياء للقرار التاريخي الذي اتخذته الأمم المُتحدة في عام 1973م بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المُنظمة. وتشمل اللغات الرسمية الخمسة الأخرى الصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية. وقالت الأمم المتحدة في بيانها الذي أعلنت فيه أنَّ اللغة العربية لغة رسمية، إن الجمعية العامة للأمم المتحدة "تُدرك ما للغة العربية من دور هام في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته".

وذكرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو في موقعها على الإنترنت أنَّ "اللغة العربية تُعدّ ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 290 مليون نسمة من سكان المعمورة".

وترى اليونسكو أنَّ "اللغة العربية أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء".  كما أكدت اليونسكو على الدور التاريخي للغة العربية بأنها "لم تكن وحسب، حافزاً على إنتاج المعارف، بل ساعدت في نقل العلوم والمعارف والفلسفات اليونانية والرومانية إلى القارة الأوروبية، في عصر النهضة".

يقول عباس محمود العقاد في تقديمه لكتابه اللغة الشاعرة : إنَّ اللغة العربية وصفت قديماً - وحديثاً - بأنَّها لغة شعرية، ثم قلنا: إن الذين يصفونها بهذه الصفة يقصدون أنها لغة يكثر فيها الشعر والشعراء، وأنها لغة مقبولة في السمع يستريح إليها السامع، كما يستريح إلى النظم المرتل والكلم الموزون، كما يقصدون بها أنها لغة يتلاقى فيها تعبير الحقيقة، وتعبير المجاز على نحو لا يعهد له نظير في سائر اللغات".

 

وضرب العقاد في كتابه اللغة الشاعرة مثالاً على شاعرية اللغة العربية بقوله "سليقة اللغة الشاعرة هي التي تجعل السامع العربي يفهم المعنى المقصود على الأثر إذا سمع واصفاً يصف حسناء بأنها بدر على غصن فوق كثيب؛ لأنَّ ذهن السامع العربي تعود النفاذ في الصورة الحسية إلى دلالتها النفسية، فهو لا يرسم في ذهنه قمراً وغصن شجرة وكومة من الرمل حين يستمع تلك العبارة، ولكنه يفهم من البدر إشراق الوجه ومن الغصن نضرة الشباب ولين الأعطاف، ومن الكثيب فراهة الجسم، ودلالتها على الصحة وتناسب الأعضاء".

ويذكر أن اليونسكو اتخذت من "اللغة العربية والذكاء الاصطناعي" موضوعاً لهذا العام، للاحتفاء بلسان الضاد، حيث ستناقش في مقرها بباريس – حسب ما ورد في موقعها الإلكتروني- جملة من الموضوعات في موائد مستديرة تشمل فيما تشمل:

 

  1. تأثير الذكاء الاصطناعي في صون اللغة العربية وتعزيزها
  2. حوسبة اللغة العربية ورهان المستقبل المعرفي
  3. إطلاق التقرير الإقليمي بعنوان "اللغة العربية بوصفها بوابة لاكتساب المعارف ونقلها"

 

ولا ريب أنَّ مُواكبة اللغة لمستجدات العصر والاستفادة مما يتاح من أدوات هو أمر محمود ويشي بأنَّ اللغة تواصل نموها بل تكتسب حياة أخرى ربما لم تعهدها من قبل.  

ويقول فاروق شوشة في مُقدمة كتابه "لغتنا الجميلة"مستشرفاً المستقبل الباهر لهذه اللغة الفاتنة بجمالها الأخاذ وحاضاً على نفث روحٍ جديدة فيها "إن لغتنا الجميلة ظلت عبر القرون الطويلة، صامدة نابضة، بفضل انفتاحها المستمر على الحضارات والثقافات، واتجاهها الدائم إلى المستقبل، وأنها كانت تفقد حيويتها وجدتها ونبضها، عندما يتوقف انفتاح أصحابها على الجديد الذي تزخر به حياتهم وينغلقون على أنفسهم مضغاً واجتراراً، وعندما يصبح الماضي هو مثلهم الأعلى المقدس، تتجه إليه رؤوسهم، دون أن تتجه إلى حيث الهدف الطبيعي، والغاية الأصيلة.. المستقبل".  

وكتب جرجي زيدان في مُقدمة كتابه "اللغة كائن حي" حاضاً على التجديد في اللغة "ليعلم حملة الأقلام أن اللغة كائن حي نام، خاضع لناموس الارتقاء، تتجدد ألفاظها، وتراكيبها على الدوام. فلا يتهيبون من استخدام لفظ جديد لم يستخدمه العرب له. وقد يكون تهيبهم مانعاً لاستثمار قرائحهم، وربما ترتب على إطلاق سراح أقلامهم فوائد عظمى تعود على آداب اللغة العربية بالخير الجزيل".  

وقد استفادت اللغة العربية أيما استفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة فقد أطلقت "جوجل" نظاماً للترجمة الآلية يعتمد على الذكاء الاصطناعي بتقنية "الترجمة الآلية العصبية" التي تترجم كامل الجُمل في وقت واحد، بدلاً من ترجمتها كلمةً كلمة. وتمتاز "الترجمة الآلية العصبية" بأنها تتعلم مع مرور الوقت لإنشاء ترجمات أفضل وأقرب إلى الواقع وذلك اعتماداً على تقنية "تعلم الآلة".

ومن هنا نرى أنَّ الترجمة الآلية بمساعدة الذكاء الاصطناعي هي المستقبل الذي يلوح في الأفق وترنو إليه أبصار المترجمين، وإن شئت فقل هو قنطرة عبورهم إلى المستقبل.

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك