قصَّة قصيرة جدا

تحــولات

د. موسى رحُوم عبَّاس | الرياض

        كان القنَّاصُ الذي يعتلي دار البلديَّة ماهرا، أخمِّن أنَّه تدرب كثيرا على الإصابة بالرأس للرجال، وبالصَّدر للنساء، وربما أصاب الحَلَمَة تماما، كنت أراقبه، يبدو نشيطا، وهو يعيد الزُّجاجة التي يشرب منها قليلا إلى النَّافذة، لذا كنتُ في النَّهار أتحول لسحْليَّة صغيرةٍ، أتسلَّل بين أقدام الجنود، لوني الأسود يماثل الإسفلت وأحذيتهم الثَّقيلة، صرت أميزهم من رائحة أقدامهم، أتذكر (حَمُو) جارنا الذي يعمل في صباغة الأحذية؛ فقد كان يقول لي : تعلمت من مهنتي ألَّا أركِّز في الوجوه، فعيني تلتقط صورة الأحذية وحسب، فالناس عندي أحذية تحتاج لإعادة التَّلميع، أتذكَّرُ، أعبر الممرَّ بأمانٍ، وفي مدخل العمارة أصبح ضفدعا، أقفز بسرعة من درجة إلى أخرى دون نقيق، ينزلق جسدي على البلاط بسهولة، وفي غرفتي بلبلا أدخل القفص طوعا، وأمتنع عن التغريد كيلا يشعرَ بي أحدٌ، وعندما يجوع أولادي، نخرج قرية نمل كاملة نَجْلِبُ الحبوبَ من مخزن التَّاجر الذي يُشبه ذلك القنَّاصَ حتى برأسه الكبير، وشاربيه الكثَّين، مرَّة ربما كان في بداية الرَّبيع، قلت في نفسي: لقد مللتُ الزحفَ والجحورَ الضيقةَ، لمَ لا أكون حمامةً بيضاءَ، ترفرفُ فوق مئذنة الحيِّ، تلك الشَّامخة إلى الأعالي؟!

بعد شروق الشَّمس بقليلٍ، كنتُ أحوِّمُ على تخوم الغيم، وأرسم دوائر فوق المئذنة التي ترتفع كَسَهْمٍ، وكانت الأرضُ تحتي كرةً من النَّار، ربما كنت أهدل حينها، وربما كان صوتي مرتفعاً، لستُ متأكدا من ذلك، لأنَّ رصاصة القنَّاص كانت تخترق جناحي، كان الدَّم يسيلُ حتى باب بيتي، بينما كان هو يرفع إصبعيه شارةً للنصر!

تعليق عبر الفيس بوك