مكالمةٌ لم تكتمل

 

ثامر سعيد| العراق

 

صباح الخير يا أمي..

الشمسُ خجولةٌ فوق السرادقِ

لكنّ البردَ ناعمٌ على معطفِ النهار.

كلُّ الأشياء هنا لا تشبه الأشياء

الحصانُ الذي في أقصى يمين النصبِ

في كلِّ لحظةٍ ينترُ عنقهُ

ويرفسُ بقوائمهِ الرخامَ

فلا يبلغُ جسرَ الجمهورية

لكنه لم يكفَّ عن الصهيل.

***

حاملو اليافطات يتمردون على

جواد سليم

فيهبطون بأجسادٍ ضوئيةٍ

ليمسحوا القلقَ عن قلوبِ أحفادِهم

في ضجيجِ الأرصفةِ الصاعدِ

إلى السماء

ويحملون المرأةَ الحانيةَ على طفلها

بعجلةِ التك تكِ إلى أقربِ مشفى.

***

لا ملامحَ ثابتة لوجه الصباح

الثورُ الذي في أقصى اليسار

يُصوّبُ خوارَه من حَنجرةِ الأساطير

إلى الغربان التي حلّقتْ خلسةً

من ساحةِ الخلاني

فتنكصُ صوب جحورها.

أزهارُ الدمِ على الرصيف

تعطرُ عباءةَ المرأة التي حلّقتْ

بلا قدمين،

بينما الجنديُّ تحت الشمس

يراقبُ الموتَ الذي يهبُ الحياةَ

بقلبٍ محايدٍ.

***

السومريون يا أمي،

شيدوا وجودهم بحكمةِ الأنهارِ

وأذرعٍ مشرعةٍ كصواري السفنِ

قلوبهم ضوءٌ وجماجمهم مواقدُ

لكنّ القضبانَ المحطمةَ في قلبِ النصبِ

ظلّتْ مكروبةٌ، وهي تراقبُ

حفنةً من طلقائها

يتنحون برواتبَ مزدوجةٍ.

***

صباح الصبر يا أمي..

لقد أخذني النصبُ بعيداً

ولمْ أحدثكِ عنا،

الجميلونَ في حدائقِ القلبِ

يتكاثرون كالعشبِ

كلّما اشتدَّ هطولُ الرصاص.

ما زلتُ مخموراً بنجومهم الجامحة

ترفرفُ أجنحتهم في رأسي

كزلزلةٍ تهزأ من مقياس ريختر.

ومثلما تعششُ العصافيرُ

في إطار نافذتكِ

تلك المطلّةِ على انتظار أبي

يتجمعون في الساحات

ينتظرون الوطن!

فهل ما زالتْ الكوابيسُ تتراشقُ

في رأسكِ

فتذوبين كقطعةِ ثلجٍ

في نبيذٍ لاذعٍ؟

ربما كنتِ تحلمين فجرَ هذا اليوم

بالحماماتِ التي نفقتْ

على المطعم التركي،

أو بعبواتِ الدّخانِ التي غُرستْ

في الرؤوسِ التي تفتشُ

عن أحلامها المسروقة

حين أخذت دينارين

من محفظتك اليتيمةِ

فلم أكن أملكُ أجرةً

كي أصلَ إلى ساحة التحرير .

***

لا تقلقي كثيراً

سأرسلُ لك صورنا كلّ يوم

لقد أرسلوا لنا أغطيةً كثيرة،

الطعامُ وفيرٌ وعلبُ السجائر

وها نحن محاطون ببهجةِ النشيد

يبعثرُ النعاسَ في المنطقة المسوّرة.

الرفاقُ على الجسورِ

يصطادون العبواتِ بقفّازاتٍ جلديةٍ.

***

ربما أرسلُ لك مقاطع فيديو أيضاً

عن القلوب التي تحمي الغناء

من السقوط إلى الهاوية

أو ربما عن غيمات الرصاص الحي

لكني لا أملكُ أن أسجل َََ لكِ

كيف تطلقه الضمائرُ الميتة.

**

عذراً يا أمي..

سأقطعُ المكالمة،

لم يُخطئُني القنّاص.

تعليق عبر الفيس بوك