القوات الـمسلحة في فكر صاحب الجلالة

سمير عبد الصمد| الأردن

" أودُّ أن أبدأَ بالحديثِ عن رجالِ قواتِنا المسلحةِ، جندُ عُمان درعُ الوطنِ، وحُماةُ ترابِه المقدسِ، إنَّ البلادَ، أيَّ بلادٍ، لا يمكنُ أن يسودَها السلامُ والاستقرارُ، ولا يمكنُ أن تنعمَ بخيراتِها وإنجازاتِها، إذا لم يحمِها جيشٌ قويٌّ يَرُدُّ عنها الأعداءَ ويصونُ مكاسبَها".

بهذه الكلمات الرصينة يستهل صاحب الجلالة حديثه، عبر شاشة التلفزيون العماني، في 26/11/1975، بكل العزم والتصميم على إعداد القوات المسلحة لتكون سياجًا للوطن، وأمنًا للمواطن. فقد كانت التحديات التي واجهت عُمان في مطلع تولي صاحب الجلالة مقاليد الحكم تحديات هائلة، تنذر بعواقب وخيمة على الوطن بأكمله، وكادت أن تؤدي إلى توقف عجلة التنمية التي كان يسعى جلالته للقيام بها، وبالتالي صرف النظر عن الاهتمام بالمجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، "وللتغلب على تلك التحديات اتضح بأن الفكر الاستراتيجي السياسي لجلالة السلطان قابوس المعظم، حفظه الله ورعاه، تجلى في وضع الاستراتيجية الشاملة للدولة، في كافة المجالات، مع التركيز على الاستراتيجية السياسية لكسب الرأي العالمي لشرعية الدولة، والاستراتيجية العسكرية لإنقاذ عُمان، وتثبيت الأمن والاستقرار في البلاد، وبالتالي إيجاد البيئة المناسبة لتنفيذ الاستراتيجيات التنموية الأخرى وفقًا للإمكانيات المتوفرة" (العسكرية العمانية)  

 

وقد أكد النظام الأساسي للدولة في (المادة 14المبادئ الأمنية) أن (الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحـة، وهيئات الأمن العام وأية قوات أخرى. وهي جميعها ملك لـلأمة، ومهمتها حماية الدولة، وضمان سلامة أراضيها، وكـفالة الأمن والطمـأنينـة للمواطنين. ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية. وينظم القانون الخدمة العسكرية، والتعبئة العامة أو الجزئيـة، وحقوق وواجبـات وقـواعد انضباط القوات الـمسلحة وهيئات الأمن العام وأية قـوات أخرى تـقـرر الدولة إنشاءها).

وجلالة السلطان هو القائد الأعلى لكل من: الجيش السلطاني العماني، والحرس السلطاني العماني، وسلاح الجو السلطاني العماني، والبحرية السلطانية العمانية، وشرطة عمان السلطانية،

وقد دأب صاحب الجلالة في خطبه السامية، وفي لقاءاته المتعددة على الإشادة بالقوات المسلحة العمانية، (تحيةُ الوفاءِ والتضحية، تحيةُ الفداءِ والبطولةِ لقواتنا المسلحة من أبناءِ هذا الوطن العزيز، وهم يدافعون عن رايةِ الحقِّ، ورفعِ رايةِ الإسلامِ، يحملون السلاح، ويترصَّدون بيقظةٍ وشجاعةٍ لأعداءِ الدين، وأعداء الوطن، إنني أيها الأبطالُ أعيشُ لحظاتِ العمر معكم، أعملُ على أن تكونوا جيشًا قويًا مسلحًا بالوعيِ والإخلاصِ لهذا الترابِ الغالي، وقوةً رادعةً بين جيوشِ أمتنا).

          إن التربية العسكرية الصارمة التي حصَّلها صاحب الجلالة، كان لها أكبر الأثر في صقل شخصيته، القائمة على الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، فقد التحق جلالته سنة 1960م بأكاديمية ساند هيرست العسكرية الملكية، حيث أمضى بها عامين كان خلالها مثالًا للانضباط والالتزام، والدقة في المواعيد، ثم التحق جلالته إلى إحدى الكتائب العاملة في ألمانيا الاتحادية لمدة ستة أشهر، مارس خلالها العمل العسكري. (تاريخ سلطنة عمان)

          كل هذا صقل شخصيته كرجل دولة وقائد ورمز، صنع بلدًا ونهض بوطنه نهضة عملاقة، وقدم نموذجًا يحتذى به، فكان قدوة لشعبه من خلال قيادته المثقفة والحكيمة في إدارة شؤون بلاده وخدمة شعبه. يهوى جلالته الاهتمام بكل ما يهتم بالنشاط العسكري، وهو يجرب كل ما هو جديد من أسلحة القوات المسلحة، سواء أكان ذلك مسدسًا أو بندقية أو مدفع رشاش أو مدفع دبابة. كما أن جلالته فارس مجيد، ولا شك أن ركوب الخيل مهارة تؤكد معاني الفروسية، ومن باب الاستطراد أقول: إن الفروسية رياضة راقية تتطلب الكثير من الانضباط والتركيز، فالفارس الذي يعتاد على مسك الزمام بيديه، يمسك زمام المبادرة والتحدي، وزمام القيادة التي تستشرف آفاق المستقبل. والفروسية ترتبط مع صفات النفس النبيلة من شهامة، وشجاعة، والفارس في نظر العرب، هو من يحمي الضعيف وينصر المظلوم، هكذا هو صاحب الجلالة. إضافة لما جُبِل عليه جلالته من صبر وجلد- هيّأ له حب العمل والاستمرار فيه وإتقانه، وعدم الملل في إنفاق الساعات الطويلة في مكتبه يتابع ويوجه ويرأس ويعالج المسائل من أجل أن تقطع عمان مسافات أطول على طريق نهضتها. (سلطنة وسلطان)

 

لقد اضطلعت القوات المسلحة العمانية، منذ بدايات النهضة المباركة، إضافة لمهمة حماية حدود الوطن، واستعادة الأمن، وتحقيق الطمأنينة للمواطنين، القيام بأعمال بطولية بمساعدة المواطنين المتضررين من الكوارث الطبيعية، مثلما حدث في إعصار جونو. "لقد سخرت القوات المسلحة جزءًا كبيرًا من إمكانياتها المادية والبشرية لأسناد اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث، وقد نفذ سلاح الجو السلطاني العماني- بما يتوفر لديه من إمكانيات تمثلت في الطائرات العمودية- عمليات البحث والإنقاذ في كل المناطق المتضررة، وخصوصًا القرى التي تعذر الوصول إليها عن طريق البر. ومن المواقف النبيلة، التي سجلت لأطقم الطائرات، أن الطيار والملاح، بالإضافة إلى واجباتهم الرئيسة، كانوا يقومون بأعمال التحميل والتفريغ للمؤن، وتوزيعها على المواطنين المحتاجين. كما قامن عمليات الخدمات الهندسية بوزارة الدفاع، بالإصلاح الفوري لخطوط الكهرباء، وتوفير العشرات من صهاريج المياه، ومولدات الكهرباء المتحركة خدمة المواطنين في كل مناطق السلطنة". (جريدة الرؤية الإلكترونية)

هذا قليل من كثير من الدور البطولي الذي تقوم به القوات المسلحة، "من أجل سلامة عمان وصيانة منجزات النهضة، ومواصلة المسيرة بكل عزم وإصرار وقوة ومضاء، فعمان بحاجة إلى المزيد من البذل والعطاء، والتضحية والفداء، والعمل الجاد".

حمى الله عمان الغالية، أبية قوية، تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق مورق بالمفاخر، تحمى القوات المسلحة الباسلة منجزاتها العظيمة، في ظل رعاية قائدها الأعلى السلطان المفدى.

المراجع:

  1. العسكرية العمانية. العميد الركن المتقاعد، سعود بن ناصر الحبسي ص 194
  2. تاريخ سلطنة عُمان. فاروق عمر فوزي. دار الشروق. عمَّان الأردن. 2007
  3. سلطنة وسلطان. تأليف: سلطان الحطاب.  دار العروبة للدراسات والاستشارات الإعلامية. عمّان، الأردن
  4. د. عيسى الصوافي، جريدة الرؤية الإلكترونية 12/إبريل 2018

 

تعليق عبر الفيس بوك