عرفنا واجبات الموظف.. فأين حقوقه؟!

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

أصدرَ مجلسُ الخدمة المدنية قراره رقم (7/2019)، وهو تحت عنوان "مدونة قواعد السلوك الوظيفي للموظفين المدنيين في وحدات الجهاز الإداري للدولة"، ويتعلَّق القرار بكل صغيرة وكبيرة يُراد من الموظف الحكومي القيام بها، والتقيُّد بها، والعمل بمقتضاها، وعدم الحيدة عنها، وجاءت فصول القرار لتترجم الحرص الكامل من الحكومة على ضرورة قيام موظفيها بواجباتهم، من حيث الاجتهاد والمثابرة، والتقيد بالقوانين، والنزاهة والاستقلالية، وعدم تضارب المصالح، إلى جانب واجبات رؤساء الوحدات الحكومية تجاه مرؤوسيهم، وواجبات المرؤوسين تجاه رؤسائهم، وواجبات الموظفين تجاه المراجعين، إضافة لإقرار الذمة المالية، والحفاظ على المال العام، ولم ينسَ القرار طريقة تعامل الموظفين مع التقنية والشبكة العنكبوتية، وضرورة المحافظة على الأجهزة التي يتسلمها من المؤسسة الحكومية التابع لها.

كلُّ هذه الواجبات التي تركها القرار في عُهدة الموظف، وطالبه بالتقيُّد بها، وعدم التفريط فيها، هي مجموعة قواعد يعرفها كل موظف بـ"الفطرة الوظيفية"، ولا تحتاج إلى قرار؛ فقانون الخدمة المدنية لم يغفل عنها، ولكن أين "حقوق الموظف" من مثل هذه القرارات؟! أين عناصر التحفيز المفقودة؟ وأين الترقيات؟ وأين المكافآت المعنوية الغائبة؟ وأين مكافآت ما بعد الخدمة؟ وأين.. وأين؟

كلُّ واجبات في القانون تقابلها حقوق؛ فكيف يصدر قرار يُلزم الموظف بكل شيء، ويطالبه بكل جهده، وعرقه، ووقته، ويذكّره بواجباته الروتينية، ثم يغفل حقوقه الوظيفية؟! ويتناسى حتى عناصر التحفيز والتشجيع التي هي حق أصيل من حقوقه المكتسبة والتي غيَّبتها ظروف الدولة المالية -ونحن نقدِّر لذلك- ولكن ما نشاهده من بعض آثار الصرف المالي يعطي انطباعا بأن من يدفع فاتورة هذه الظروف هم المواطنون أولا.. والموظفون العموميون ثانيا.. ولا يصل إلى "المحصنّين" ضد الكوارث المالية والاقتصادية الطارئة التي تلّم بالبلد.

... إنَّ وجود وثيقة أخلاقية تُلزِم الموظف بواجباته ومسؤولياته، يجب أن تحوي في نفس الطيِّ حقوقه الطبيعية التي هي الكفة الأخرى للميزان، فتشجيع الموظف وتحفيزه يُعطيه دافعا كبيرا للعطاء بأقصى ما لديه، ويجعل منه شعلةَ نشاط متقدة بالحماس، كما يسد ذلك عليه وعلى الدولة من ناحية أخرى أبواب الفساد الإداري والمالي والرشاوى والمحسوبية...وغير ذلك من آفات تظهر حين تغيب العدالة الوظيفية عن المؤسسات، وذلك يشكّل الخطر الأكبر الذي تتفاداه كل دولة في العالم، وتخشاه.

إننا نحتاج في المقابل إلى قرار أو وثيقة أخلاقية من مجلس الخدمة المدنية تتعلَّق بـ"حقوق الموظف العمومي في الجهاز الإداري للدولة"، أسوة بقراره حول (الواجبات) والذي سيكون ذا أثر سحري على الموظفين التابعين له، قرار يتعلق بحق الموظف: في العلاوة الدورية، والترقيات، وحوافز الإبداع والتميّز، وحقوق الموظف ما بعد الخدمة (التقاعد) والتي لها حديث آخر.. فهل إلى ذلك من سبيل؟!!