جريمة لندن الشنعاء

مدرين المكتومية

صدمة وذهول وحزن أليم مس مجتمعنا ظهر الجمعة مع تأكيد نبأ مقتل طالب عماني لا يتجاوز عمره الـ23 ربيعًا في لندن طعنا بلا رحمة، وبخنجر الدناءة الإنسانية وبدم بارد ودون سابق معرفة بين الجاني والمجني عليه..

قُتل الطالب وهو في ريعان شبابه، ذهب طالبا للعلم وسعيا لبناء مستقبل مزدهر، فإذا بأحد من عُدموا الرحمة ومن نُزعت من صدورهم الشعور الإنساني يغتال روحه ويئد مستقبله. مات الشاب الذي توجه إلى واحدة من مدن العلم ونهل المعرفة، فقضى نحبه ظلما وعدوانا.

التحقيقات الأولية تشير إلى أن الباعث وراء هذه الجريمة الشنيعة هي السرقة، لكن أي سرقة تلك التي تُحرض إنسانًا على قتل إنسان آخر، ما الذي يدفع على القتل سوى خطابات الكراهية والتحريض والعنصرية التي تفشت في مجتمعات أوروبية لطالما كانت نموذجا في احترام الآخر وقبوله؟! ولذا عندما تكثر حوادث من هذا النوع في مجتمع مثل المجتمع البريطاني فإن ناقوس الخطر يجب أن يُقرع بقوة، فخلال أيام قليلة وقع العديد من جرائم الطعن وقعت في بريطانيا منها شاب بحريني تعرض للطعن والآن يتشافى في العناية المركزة.

إن المجتمعات التي تتراجع فيها الاخلاق والقيم تتراجع معها الانسانية وينتشر فيها القتلة والمجرمون؛ فوفاة هذا الشاب بهذه الطريقة أحدثت صدمة عنيفة على كل من يعرفه ومن لا يعرفه، خاصة وأن مجتمعنا بأكمله تفاعل مع الفاجعة، فرغم إيماننا الشديد بقضاء الله وقدره وأن الموت لا مفر منه لكل إنسان، إلا أن الألم يعتصرنا ويقطِّع مشاعرنا عندما يلقى شخص نحبه بطعنة سكين أو بأي وسيلة جرمية كانت.  

عندما نمعن النظر في هذه الحادثة التي سبقتها حوادث أخرى نكتشف أن العالم من حولنا تتزايد فيه مشاعر الكراهية في وقت نحن في أمس الحاجة إلى التعايش والتسامح والمحبة.

أي مخلوق متوحش هذا القاتل ولمصلحة من يقتل بدم بارد من أجل حفنة من النقود الملطخة بالدم والخطيئة. عندما تموت الانسانية لايعود لاي شيء بالحياة اهمية تذكر، اكاد اجزم لو ان سائلا جاء لهذا الشاب وطلب مالا لم يكن ليرفض ان يعطيه مما يملك لكن هكذا شاءت الأقدار.

إن الحوادث في بريطانيا من وجهة نظري منتشرة لسببين اولهما ان هناك حالة من العنصرية الشديدة تجاه الاجانب في بريطانيا وذلك بسبب تصاعد التيار الشعبوي الذي يحرض دائما على الأجانب ويعلي من شأن الافكار الشعبوية المتطرفة وهي افكار تتعارض مع ما نعيشه من نظام عولمي جعل العالم مكانا واحدا مفتوحا للجميع. اما السبب الثاني هو ان بعض الحوادث التي تصنف ارهابية ناتجة عن عودة عناصر كانت تنتمي لتنظيمات ارهابية لبلادها ومنها بريطانيا، ولذلك نرى هذا النوع من الحوادث التي ليست الاولى ولن تكون الأخيرة، فليس غريبا ان يتعرض نحو ٥ اشخاص على الاقل لحالات طعن في لندن وحدها خلال ٢٤ ساعة.

إن هذا الشاب - ورغم عدم معرفتي به- أصابني مقتله بحزن شديد، فهو الشاب الذي وضعت أسرته جُل أحلامها عليها لتراه في مكان اخر وفي زمن اخر، لكن لم يتحقق الحلم واستحال كابوسا.

أعلم جيدا كيف تختلط المشاعر بين مصدِّق للخبر وبين مكذب له، وكم يحتاجون من الوقت لتجاوز هكذا مصيبة، فالابن الذي كان يستعد ربما للعودة إلى وطنه قريبا خلال إجازة الكريسماس في بريطانيا، حتى فاجأته سكين الغدر فقتلت كل الأحلام وحطمت الأمنيات وبددت الوعود التي كان يحلم بها ذات يوم هو وأسرته.

عندما يرحل أحدهم بهذه الطريقة الشنعاء لا يقوى الآخر على استيعاب الموقف، ويصبح كل شخص غير قادر على التصديق؛ فيمسك الآباء بهواتفهم ويجرون الاتصالات مع أبنائهم ليطمئنوا عليهم وليقدموا لهم النصائح وهم في داخلهم يمزقهم القلق والخوف على أبنائهم. إن مثل هذه الجرائم تحتاج وبشكل فوري إلى أن تكثف السلطات المسؤولة تواجدها في كل مكان.

هذا الرحيل الذي كسر قلوب أسرة الشاب والمجتمع وأبكى الكثيرين وكان محل اهتمام واسع، ليس سوى انعكاس لما يتميز به مجتمعنا من لحمة ومشاعر إنسانية سامية، تهتم بحال الإنسان العماني أينما كان ومهما كانت صلة القرابة أو البعد، وكل ذلك جزء من القيم والأخلاق العمانية النبيلة..

إنني عندما أرثي هذا الشاب، أتذكر ما قاله ابن الرومي في وفاة ابنه محمد عندما كتب:

محمدُ، ما شيءٌ تُوُهّمَ سلوةً .... لقلبيَ إلا زادَ قلبيْ من الوجدِ

أرى أَخوَيْكَ الباقيين كليهما .... يكونان للأحزان أورى من الزندِ

إذا لعبا في ملعبٍ لك لذّعا .... فؤاديْ بمثلِ النار عن غيرما قصدِ