التطور بين الضلال والحق

 

 

"ما ضرك لو أطفأ هذا العالم أضواءه كلها في وجهك ما دام النور في قلبك متوهجا". جلال الدين الرومي

فاطمة الحارثي

قد يشعر الإنسان بحاجة إلى أن يتطور أو يتغيَّر، ربما لأسباب نفسية أو اجتماعية ليتفاعل بالطريقة التي يراها مناسبة مع المُحيط وذاته قبله، أي يتخذ قرارا في أمره وفي الغالب لا يحاول أن يتصور ردود فعل من حوله لأن ذلك الأمر في معظم الأحيان مضيعة للوقت وأيضاً خشية أن يُحبط من عزمه. ربما يرادف قرار التطور تلك الروح المحلقة الجسورة لدى الكثير من الناس في أن تحدث أمرا مختلفا أو تترك بصمة أو حتى أن تثير الإعجاب.

"العلم ليس سوى إعادة ترتيب لتفكيرك اليومي"ألبرت اينشتاين، إذا ما هو التطور وهل أنت ممن يُحدث التطور أم ممن يسعون خلف المُحدث أو مع زمرة التقليد وتطبيق فكر الغير؟ ففي الأخير التطور وتطبيقه أمران يُكملان بعضهما البعض لتوازن الأرض ومن عليها ولبقاء عجلة الحياة مستمرة.

 

 بيد أنَّ الإلحاح من أجل التطور يضع الفرد في حالة خوف نسبية، قد يعي أثره وقد يغيب عنه وأحيانا إن لم يكن في الغالب ينكر الواحد منِّا فطرة الخوف ويُترجم شعور الخوف بأمور غريبة وكثيرة يُغذي بها عقله كي لا يشعر بالضعف.  قد لا يتفق البعض مع هذا، لكن الاعتراف بالخوف ليس عيباً ولا ضعفاً بل إدراك ودرجة عالية من الوعي، فبالإقرار الصحيح والفهم الواضح يسمح الفرد لنفسه أن يجد الحلول المناسبة للإقدام والتطور. تقبل الآخر أو مقاومة آخر لك أثناء ما يطرأ عليك في مراحل التطور أمر بديهي وبكل تأكيد ليس مقودا أو مؤثرا حقيقيا على مُضيك في التطور وتبني سلوكيات ومفاهيم جديدة " مدى علو إنجازاتك يكون دائماً متساوياً مع مدى عمق إيمانك" ويليام سكولافينو، كما وأن استقطاب الأمور الإيجابية يشحذ من العزيمة ويُهون على الفرد المقاومة الذاتية والاجتماعية، ومن الصعب إن لم يكن نادرا الحصول على رفيق أو زميل يشد من عزمك في أثناء الرحلة لذلك نجد القليل ممن يُقبلون على التطور الحقيقي والعميق.

 

من السلوكيات والأدوات التي يتبعها غالبية من يسعون إلى التطور القراءة وتبني المفاهيم المختلفة والجديدة وقد يصل الأمر لدى البعض إلى تغيير البيئة التي هم عليها والتصدي للعادات والتقاليد التي قد تتعارض مع طموحهم ونبذ كل من يعترض توجههم، وهذا ما قد يُؤثر على موازين الصواب والخطأ ليُثمر السعي خيراً أحياناً وشرا ربما في حالات أخرى.

نعم، الغالب منِّا إن لم يكن جميعنا نسعى نحو الكمال والسعادة، ونرغب بكل ما هو في اعتقادنا يُمثل ذلك ويُترجم الرفاهية الاجتماعية من قبول ومكانة وسلطة، لكن متى علينا أن نراجع مسيرتنا أو سعينا، بعد بلوغ الأهداف دون اكتراث للطرق والأساليب، أم عند بزوغ التحديات لمقاربة تقييم الوضع مع المُثل والقيم؟ في الحقيقة بمجرد أن يبدأ البعض مسيرة التطور تأخذه أطماع الإنجازات فيُهمل جانب التقييم والموازنة بين الصواب والخطأ، إذ يطغى هوى النفس عن كل منطق أو تأنيب لمن جانب الوسيلة التي تبررها الغاية فيُباح الظلم وتسهل الخيانة ويُطلب من المعروف جزاء وخدمات، ليتحول كل فعل لديهم بمقدار المقابل.

 

رسالة

بحكم أننا بين المخير والمسير تختلط الأمور علينا وقد نخال أننا متحكمون بكل شيء وأن رغباتنا أمر مُسلم به واحيانًا كثيرة تتملك النفس مشاعر الانتصار ونشوة التمكن من وعلى من حوله بل قد يتجاوز البعض الآخر حدوده ليخال نفسه قادراً على فرض شهواته وسلطته والانتصار لذاته المريضة بأن يخلق مناخات غريبة وفي أحيان كثيرة متجاوزة لكل الحدود والعقل كالفتن والمكائد والمكر من أجل تحقيق أطماعه كأن يعد نفسه عالماً في أمر الله وحكمه، يطغى وهو يحتج بأنه مظلوم وأنه يُريد أن يسترد حقه أو حتى نشر العدل (العدل الذي يراه في نفسه وشهواته وجهله المحقق والمهيمن فقط)، لا غريب على كثيرين هذا الأمر ولا غريب على أكثر سلوكيات وهم أنهم الأجدر والأحق في الحياة وأنهم شعب الله المختار والبقية ليسوا سوى عبيد سخرهم الله لهم وعليهم أن يخنعوا ويأتمروا بأمرهم ويكونوا رهن تصرفاتهم.

عندما يعجز القلم عن التعبير، يكون للآخر حيز طغى وأبكى وللسلوى أحد مخارج الحزن عويل الذئب الذي يُرسَل إلى السماء من أجل إقرار أمر الحزن الذي حدث وألا اعتراض.

 

"يمكن أن أتغير تبعاً لما يحدث لي، ولكني أرفض أن أضعف من شخصيتي". مايا أنجلو.