نصوص سردية

 

عبد السلام سنان| ليبيا

 

  1.  صهيل في مآقي الليل

قصيدة مذبوحة على حوائطِ المنافي، ريح الخريف تجثّت ورقة عنبٍ أسرفت في الاخضرار، عودها الشرس يندبُ سيرة الشتاء الضارية، امرأة موعودة بشمسٍ وزعتر، تخنقها عربدة ليلٍ ضئيل، تباغتها فكرة محمومة بالنزق، تفتّتُ أوصالها الطريّة، الأزقة تركلُ سواد الوحشة اللعينة، أدعيات المطر، أساطير الاغريق حين رصوا حجارتهم على زرقة المتوسط، فوق خمس الغاب بنوا مجدا فوق عراء الأمكنة، التاريخ عتمة حائرة، تشابكت نوافذ الغيم، لم تكثرت لأصابع الضوء وقناديل الزيت، بتمرد صارخ الفناء، حقول خريفية تنسج خيوط الفقد، تهشُّ أرتال الرعود وجحافل البروق، كعرّافة غجرية تقرأ طلاسم المواقد، تفكُّ أحجيات الرمل كأغنيات الصقيع الضائعة، تيبّستْ بلهات بدوي عافه اليأس، الظلال آثار الرحيل، تستر الشروخ الدامية، حوافر الشوق صهيل الغياب، بكاء الأمكنة، صدى مهلٍ محفور بالحيطان الباردة، تتكوّر في رحِمِ الوحدة، ترسم زفيراً يئنُ بجور المداءات الهادرة، جدار الكون المحموم يفضح شهقة الرمان، يتقمّص شرود الخيال العجائبي، يغالب سطوة الريح، ليلٌ يتمرغ في أشواق الأماسي الوارفة الاخضرار، أجراس السنابل المجلجلة في خاصرة الحقول المفتونة إلى المجد، ولمواسم الينابيع، للون الطين المتلألئ، لنبرة الفلاح الحامد، لحلمٍ قديم المفردة، لهمهمة العابرين، للدراويش الحمقى، التائهين في أكنّةِ الروح وأسبار أقاصي الوجع الممرّد، لأحجيات المرايا العطوفة، لرقصِ فراشة خجولة، لأنثى جبلية الهوى، تحلم بحقلِ حنّاء تراقص فراشات أنجبتها قصائدي التي لم أكتبها بعد .

 

  1.  فسيفساء ميتافيزيقية

عرجاء صبّارة الجحيم، ترتشفُ الفجيعة، تحملقُ في ضِفافِ الوهم، تنفثُ مسوخ الأرواح الشريرة، تتجرع الخراب، تشذبُ ملح البراكين، تنسكبُ في غِوايةِ الأعاصير الأمازونية حتى آخرِ الهزيع من انشطار الموت، تتكئُ على خيطٍ صحراوي محيق، ودوائر من الحصى المتشظّية من أزمنةِ الشمس الغابرة، تتلاشى ساعات الرمل في جيوب الزمن المتكلس، حين تخلت عن هيكلها الهلامي، ظلٌ صلصالي الصورة النمطية، الزوايا ثلاثية الأبعاد، تهبها خيالات ومداءاتٍ أبعد غورا وأرحب ضوءاً، حشرجة الفراغ تغري شهوة المطر لبدء حفلة تناسلية مع الريح الجائعة، تهبُ بويضاتها للقاحِ المواسم الناشفة، مثقوبة أروقة النسيان، الغربان المهجّنة تفزعُ زوايا الرؤى الثكلى، الحزن مسحة الدروب، خرائط الأساطير فسيفساء تلاوين، الطين أزقة الذاكرة النهمة، الشمس سنابل الوجود، المخاض ارهاصات أزلية العبث الشّرِهْ، باهتة بوارق الغيم، التأويل مجاز الأنواء، بليغٌ صبركِ وصمتكِ، مُدي جذورك في سحيق الرمل وأشهدي أن الأرض مهد الحياة بلا منازع .

 

  1.  سراب

ما الذي يوقظ المعول في ذاكرة الحيطان الشاهقة؟ هيّأتني الريح أرجوحة لأوهامكِ، وفي أصداء الظلال، أمُدُّ أجنحتي على مساربِ آثاركِ، مفتونٌ أنا بشهقةِ النهرالظمآن، إذ تاه مجراه كلحنٍ ضاعت في الغربةِ نوتاهُ، وهوسي الوردي يستضيء أمطاركِ، وكي أنساك، سأحفر اسمي في أخاديدِ أوهامكِ وفلاةِ سرابكِ.

 

  1. صلصال الذاكرة المقوّسة

كان ذاك الاحتدام هلاميا حافيا يقف على تناص زئبقي الشرود يتمرّغُ في حفنةٍ من انتظار عقيم يُعاقر رجس الوهم يتكئُ على ظلال الليل السقيم يجرفني نهر الملح المتحسر يفيض بأدعيات المطر المسافات قوّست ظهر الجحود قضبان الرحيل أثخنها الصدأ أسراب الأرق تجاعيد العراء شرنقات الوهم فصول انتكاسات مريرة المرايا مؤجلة الانصياع الصدى دماء النشوة فوق فصاحة الرقراق رماد الاختناق جدارية المواسم الجائعة للغيم الجليل ظلال الملح مهزومة الزوايا مغروس في ذاكرة شمس ثلاثية الابعاد أحصنة الليل الهائجة سنابك الرفس الجامحة تقوّضُ مداءات السراب اللافحة تؤرق أوصال الفجيعة الغابرة مهدورة فوق أرضٍ توقّفت عن الدوران فاضت أودية السنابل وصدئت مناجل الحصاد .

تعليق عبر الفيس بوك