علي بن سالم كفيتان
قد لا يستطيع البعض وضع محددات أو فوارق بين قيادات المجتمع المحلي وبين مؤسسات المجتمع المدني كالجمعيات والنقابات وغيرها، فالقصد هنا هو القيادات العرفية التقليدية للمجتمع كالمشايخ والرشداء مثلاً، فقد نجد محافظة من المحافظات بها آلاف الشيوخ والأعيان والوجهاء ولكن مساهماتهم باتت ضعيفة إن لم تكن معدومة، فساعة الزمن مع هؤلاء توقفت منذ ثلاثة عقود تقريباً، ولذلك نجد أنّ أساليبهم في التعامل مع القضايا الاجتماعية باتت قديمة وغير فعّالة، وفي كثير من الأحيان سلبية؛ لذلك لا عجب أن نرى خروجا جماعيا على تلك المرجعيات من قبل الجيل الشاب، والبحث عن قيادات مجتمعية تلبي الطلب، وتستطيع التعامل مع المتغيرات.
إنّ السلطات المحلية مدعوة اليوم قبل غد لإعادة النظر في هذه المنظومة، وعدم تركها لتضعف حتى تختفي في ظل عدم تهيئة البديل الناجح، فالقيادات المجتمعية في السلطنة مارست دوراً أساسياً ومحورياً في بداية عهد النهضة المباركة، فكانت خير سند لمؤسسات الدولة، وتوجهات الحكومة لإرساء قواعد التنمية. ومع تقدم المعطيات تركت تلك القيادات تكابد ظروف التغيير، ولم يتم توجيهها بالشكل المناسب للدور المطلوب منها مع تبدل الزمن وبناء دولة المؤسسات والقانون، فأصبحت تبحث عن أدوار ثانوية تبقيها في دائرة الضوء حتى ولو كانت مزعجة في بعض الأحيان للفت نظر الدولة.
سبق وأن كتبت مقالا عن مؤسسة الشيوخ يمكن الرجوع إليه تحت عنوان "مؤسسة منسية" تناولت فيه بعض الرؤى والأفكار لتطوير وتأهيل هذه المنظومة الاجتماعية الهامة. ففي ظل دور مجلس الشورى والبلدي اضمحل نهائياً دور القيادات المحلية، وأصبحت بعيدة كل البعد عن التأثير في حال حدوث إشكاليات أو حتى مطالبات. فاليوم لا يستطيع الشيوخ أو الوجهاء السيطرة على من كان يفترض أنّهم رعيتهم، فقد تغيرت المبادئ فمثلما أصبح المرعى مشاعا أصبحت كذلك بقية الأمور. والتساؤل هنا: ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه القيادات خلال المرحلة الحالية والمستقبلية؟
فتلك القيادات المجتمعية بعضها معتكف في صومعته يندب حظه ويخبر أبناءه وأحفاده عن تاريخ أبيه وجده في قصص لا تخلو من المبالغة، وأحيانًا ولا يلومه أحد فهو ليس لديه ما يحكيه عن نفسه؛ لذلك يلجأ لسجل الماضي. والبعض الآخر يكابد لإظهار نفسه في مختلف المناسبات؛ بينما تفوّق من ليس له خلفية على الجميع، فقد اتقن الصنعة، وعرف من أين تؤكل الكتف؛ فتراه المقرب، وتراه الواقف في الناس خطيباً، والمرافق للمسؤولين في مختلف المشاهد، فقد امتلك هؤلاء المهارات الحديثة بدافع العدم الذي لديهم بينما ظل الآخرون منتظرين دورهم من السلطات مجترين أحقيتهم التاريخية المفقودة.
لهذا فقد ترى الجهات المشرفة على السلطات المحلية مراجعة هذا الوضع من خلال إنشاء ما يعرف بمجلس الشيوخ في المحافظات ويمكن أن يكون هذا المجلس منتخباً من قبل أفراد هذه الشريحة، ويمنحون بعض الصلاحيات العامة التي لا تتعارض مع صلاحيات مجلس الشورى والمجلس البلدي، ويستطيعون تأطير أنشطتهم الإصلاحية بالتنسيق مع لجان التوفيق والمصالحة، وتوكل إليهم بعض المهام في حال وجود تعارض بين المجتمع وأي مؤسسة حكومية فيتخاطبون مع الناس ويتوصلون إلى حلول مرضية للطرفين تكون ملزمة في حال التوافق وهذا الأمر يمكن أن يجنب المؤسسات الكثير من الاعتراضات ويساهم في الإحساس بالثقة ويعيد لهذه الفئة شيئا من بريقها وهيبتها.
من المستحيل شطب القبيلة من قاموس النسيج الاجتماعي وتهميش دورها كما يرى البعض، ولكن يمكن تأطيره وفق أسس حديثة تتوافق مع توجهات الدولة الحديثة وآمال وطموحات المجتمع.