أستاذ جامعي ومهندس زراعي يرسمان مستقبلا أفضل لتونس

الكفاءة قبل السياسة أحيانا.. درس تونسي جديد من رئاسة الدولة لرئاسة الحكومة

...
...
...
...

 

< قيس: حظ تونس من وعود الأحزاب كحظ المتنبي من وعود الإخشيدي

< الجملي: مقياس اختيار الوزراء الكفاءة والنزاهة مهما كانت الانتماءات الحزبية

 

الرؤية - هيثم الغيتاوي

خلال أقل من شهر؛ رسَّخت التجربة التونسية درسًا جديدًا في آليات العمل السياسي، وفضيلة التعاون المنضبط بين فرقاء السياسة؛ الذين يُدركون أنهم في النهاية لا بد أن يجتمعوا على حب الوطن وخدمة الشعب؛ ولو على حساب الانتماءات السياسية والفئوية الضيقة.

وكما تفاجَأ الجميع بفوز الأستاذ الجامعي قيس سعيد بالانتخابات الرئاسية منتصف الشهر الماضي؛ وقوله: "لست في حملة انتخابية لبيع أوهام والتزامات لن أحقّقها، بل أنا ملتزم بما أقول وأعد به، عكس وعود الأحزاب التقليدية التي لم يكُن حظ الشعب التونسي منها إلا كحظ المتنبي من وعود كافور الإخشيدي".. تكرر المشهد بدرجة أو بأخرى منتصف الشهر الجاري بتكليف الحبيب الجملي وزير الزراعة السابق بتشكيل الحكومة الجديدة؛ وهو الرجل المُصنف "تكنوقراط" بلا أي انتماء سياسي؛ ضمن اتفاق خضعت بموجبه حركة النهضة لمطالب معظم الأحزاب الممثلة في البرلمان التونسي بتعيين رئيس حكومة من خارج حركة النهضة حتى تدخل في مشاورات لتشكيل ائتلاف حكومي؛ على الرغم من أن حركة النهضة هي الفائزة في الانتخابات التشريعية بحصولها على 52 مقعدا من إجمالي مقاعد المؤسسة التشريعية البالغ عددها 217.

من جانبه؛ بادر الرئيس قيس سعيد بكتابة خطاب تكليف الجملي بتشكيل الحكومة بخط يده في خطوة غير مسبوقة؛ ولها من الدلالات الكثير.

فاز رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي برئاسة البرلمان، بعدما حصل على تأييد 123 من النواب البالغ عددهم 217؛ لكنه قبِل بمطالب المنافسين بحثا عن أرضية مشتركة تُخرج البلاد من حالة الصراع المكتوم بين مختلف التيارات السياسية.

وتعليقًا على اختيار النهضة الحبيب الجملي لتشكيل الحكومة الجديدة، قال الغنوشي: "نقدّر أن الجملي هو أحد كوادر الدولة التونسية، ورجل أعمال اخترناه لأدائه الاقتصادي"، مضيفا أن الجملي قادر على النهوض بالاقتصاد سواء الزراعة أو الاقتصاد العام. ولفت الغنوشي إلى أن مشاورات الجملي بدأت مع الأحزاب لتشكيل حكومة ائتلافية، حكومة كفاءات لا يمثل الناس فيها بأحزابهم بقدر ما يمثلون فيها بكفاءتهم ونزاهتهم.

وفي أول كلمة له بعد تسلمه كتاب التكليف، قال الجملي (60 عاما): إنَّ "مقياس اختيار أعضاء الحكومة سيكون الكفاءة والنزاهة مهما كانت الانتماءات، وسأكون منفتحا على كل القوى السياسية دون تحفظ على أي حزب". وأكد أنه سيسعى خلال مفاوضات تشكيل الحكومة إلى صياغة برنامج مشترك للقوى السياسية التي تقبل المشاركة في الحكومة.

مرة أخرى تقول تونس للشقيقات من حولها: الكفاءة أولا؛ قبل أي انتماءات سياسية وبعدها.

وقد انخرط الجملي في العمل البحثي طيلة حياته، فحصل على دبلوم تقني في الزراعات الكبرى، ودبلوم مهندس أشغال دولة في الزراعة، ودبلوم مرحلة ثالثة في الاقتصاد الزراعي والتصرف في المؤسسات ذات الصبغة الزراعية. وخدم في القطاع الحكومي طوال 14 عاما، تولى خلالها عددًا من المناصب. فبين عامي 1992 و1995، ترأس خلايا البحوث التطبيقية في ديوان الحبوب، والذي كان يعمل على تطوير أبحاث لزراعة الحبوب الجافة والبقول.

وفي العام 1998، شغل منصب رئيس مصلحة مراقبة الجودة التي كانت حديثة التأسيس آنذاك. إضافة للمشاركة في عدة لجان ودورات وتدريبات حكومية طوال فترة خدمته، وله بحثان تطبيقيان مسجلان رسميا، الأول عن تطوير عملية تجميع وتخزين الحبوب في تونس، والثاني عن طرق مراقبة وتحليل الجودة في تسويق الحبوب.

وفي العام 2001، ترك الجملي العمل الحكومي واتَّجه إلى القطاع الخاص؛ إذ تولى منصب مدير الدراسات والتنمية بشركة "المتوسطية للحبوب"، وهي ثاني أكبر شركة وطنية مختصة في توريد وتوزيع الأعلاف بتونس. ثم في العام 2004، تولى الإدارة العامة لنفس الشركة.

وقد شغل الجملي -وهو مهندس زراعي- منصب كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة في أول حكومة تشكلت بعد الثورة أواخر العام 2011، والتي قادتها حركة النهضة أيضا. وعند عودة الجملي للعمل الحكومي عام 2011، كان السبب في اختياره هو أنه تكنوقراط مستقل، بلا انتماء سياسي. وبعد خروجه من المنصب الحكومي عام 2014، أسس شركته الخاصة بالاستشارات الزراعية وعاود اهتمامه التقني بالزراعة. ويُعرف عنه انشغاله التام بالعمل العام والتقني، والاهتمام بمتابعة شؤون الزراعة على الأرض من منظور الفلاحين وصغار العاملين في القطاعات المرتبطة بها.

وتمَّ ترشيح الجملي رسميا عقب تصويت جرى في اجتماع مجلس شورى حركة النهضة التي يقع على عاتقها مسؤولية تشكيل الحكومة بما أنها الحزب الذي نال أكبر عدد من المقاعد البرلمانية. وكانت عدة أحزاب في مقدمتها التيار الديمقراطي (22 مقعدا)، وحركة الشعب (15 مقعدا)، وحركة تحيا تونس (14 مقعدا) قد طالبت بضرورة تعيين شخصية مستقلة كشرط للمشاركة في أي ائتلاف حكومي.

وخلال المشاورات الأولية مع أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس، تمسكت حركة النهضة بترشيح أحد قيادييها لترؤس الحكومة المقبلة، لكنها غيرت موقفها بترشيح شخصية مستقلة بعد تعثر المشاورات.

وأخيرا؛ ورغم أنَّ الغنوشي حصل على دعم حزب "قلب تونس"؛ إلا أنه أكد، أمس، أن الحزب غير مشمول بالمشاركة في الحكومة الجديدة. وبرر الغنوشي ذلك بقوله: "هذا وفاء بالوعد الذي قطعناه على أنفسنا"؛ حيث تعهدت حركة النهضة في حملة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بأنها لن تتحالف مع حزب "قلب تونس" الذي يرأسه رجل الأعمال نبيل القروي، بسبب شبهات الفساد التي تلاحقه.

تعليق عبر الفيس بوك