وطني العظيم.. دمتَ بسلام

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

في عام 1973م..قبل 49 عاما وُلدت عُمان من جديد، ولادة متعسّرة، ولكنها كانت ضرورية ليعيش الجنين، وتحيا الأم، وُلدت لتبقى وتكبر.. بدأ "جرّاحها الماهر" في بداية عهده بتشخيص المرض، ووضْع خطة للعلاج، والاستعانة بما لديه من إمكانيات بسيطة، رغم الظروف المحيطة الصعبة والقاسية التي لا ترحم، وتربُّص الأعداء بالدولة من كل مكان، ولكن بنظرته الفاحصة، ورؤيته الثاقبة، استطاع أن يوظّف كل فرد، وكل طاقة في مكانها الصحيح، ويستعين بخبرات إدارية خارجية وداخلية لكي يقوّم البنيان، ويعدّل الوضع المائل الذي كاد أن يقع لولا عناية الرحمن بهذا الوطن.

(2)

49 عاما شابتها الكثير من التحديات، لكنها كانت كفيلة بإنضاج التجربة، وشدّ عود شعبها، وتقوية أوصالها، فمن العثرات صنع القائد النجاح، ومن الإخفاقات صنَع الإنجازات، ومن الكبوات صنَع المكتسبات، وجَدَ في شعبه جوعا للعمل، وشراسة لتعويض سنوات الحرمان، فصاروا سندا لقائدهم، وحفروا في الصخر لكي ينبت الشجر، ويخرج الماء من صم الحجر، فكان لهم ما أرادوا.

(3)

49 عاما لم تكن سهلة أو هيّنة كما يتصوّرها البعض، ولم تكن مفروشة بالورود والنمارق، بل كانت رحلة كفاح مرير، تُسابِق الزمن، عدوّها: ثالوث"(الجهل والفقر والمرض"، وسلاحها: "الإيمان، والإصرار، والتحدي"، إلى أن بدأت الحياة تزهر، وبدأ الزرع يؤتي حصاده، وتثمر الأرض منجزات ومعجزات، وتلوح في الأفق سحائب الخير والرحمة والمستقبل.. فيا لها من سنوات كفاح مريرة وصعبة وعظيمة.

(4)

49 عامًا استطاعت عُمان فيها أن تحلّق عاليا في سماء المعجزات، جناحاها: قائد جسور وشعب من حديد، وهدفها: "الوصول إلى القمة بصمت ودون ضجيج"، فتجاوزت السلطنة الزمن، واخترقت غلالة المحن، واستفادت من كل عناصر النجاح، وأولها العنصر البشري، الذي هبّ دون تململ، واجتاز الصعاب دون أن تفتر عزيمته، أو تقلّ همّته، لأنه شعب أراد الحياة، فمنحها الله له.

(5)

49 عاما لا نستطيع حصر أفضالها، ولا عَدّ منجزاتها، فمن دولة فقيرة عاجزة، إلى دولة تصنع قرار العالم، وتتجاوز بقدراتها البسيطة دولا سبقتها علما ومعرفة، ولكن التفاصيل تكمن في التاريخ السياسي المتراكم منذ مئات السنين لسلطنةٍ روّضت التاريخ، والذي كان مرتكزا قويا لقراءة الوضع الراهن والمستقبلي، حيث لم تنجرف عمان نحو "العاطفة السياسية"، ولم تبهرها "المراهقة اللحظية" ولم تهزها "المزايدات الرنانة"، ولا الشعارات البراقة، ولم تكن إمّعة لأحد، بل صنعت قاعدة سياسية صلبة ثابتة لا تحيد عنها وهي: أنّ "لغة الحوار أصلب من لغة النار"، وأن "بناء جدران السلام أصعب من بناء أسفلت الخصام"، وأنّ "الثابت في السياسة هو مبدأ الحياد، والمتغيّر فيها هو غبار الخلافات العابرة". وبهذا النهج الثابت سارت عُمان في خط مستقيم لا تحيد عنه، ولا تميد، ففي الوقت الذي تثور فيه براكين الحروب، تظل عمان صامدة رغم الأعاصير التي تثار على حيادها، والذي هو حياد الشجعان، وليس- كما يفسّره بعض قاصري النظر- حياد الخذلان.

(6)

49 عاما وعُمان حمامة السلام التي لا تصطادها بنادق صائدي الأحلام، تصنع مجدها، وتسير نحو غاياتها بثبات وإصرار وعزم، تحظى حكمتها باحترام وتقدير دول العالم العريقة، رغم كل العوائق والتحديات التي يحاول البعض فيها التقليل من شأنها، أو استفزاز مبادئها، ورغم محاولات البعض- اليائسة- كسر ذراعها، إلا أنّ يدها الطولى ظلّت ممدودة للجميع بالحب.. والوئام.

(7)

18 نوفمبر ميلاد أمةٍ وقائدٍ وشعب، ميلاد حياةٍ وروحٍ جديدة، روح لم تفتر عزيمتها، ولم تتهاون همّتها، ولم تتوانَ سواعدها عن العمل، والبناء.. فطوبى لهذا الوطن العظيم، وطوبى لقائده الفذ ـ حفظه الله ـ وطوبى لشعبه الذي ما زال على عهد الوفاء والولاء: لله والوطن والسلطان.

وكل عام والسلطنة وسلطانها الهمام في علوّ وسموّ وخير، وسلام.