أنيسة الهوتية
في العام 1760م، بدأتْ بريطانيا -وبالتحديد في مانشستر- الثورة الصناعية، وهي تحويل الصناعة من اليدوية إلى الماكينة، والتوظيف كان أسبوعيًّا، وعلى العامل أن يتقيَّد بالعمل 100 ساعة أسبوعياً لـ6 أيام كي يتسلم أجره كاملاً، أي ما يُقارب 17 ساعة يوميًّا تتخللها ساعة واحدة للاستراحة.
وكان هذا استعبادًا إلا أن العُمال لم يشعروا به بدايةً، لأن عقودهم كانت قصيرة المدى، ومع استمرار الحال وغياب أولياء الأمور عن بيوتهم، ومُعاناة النساء والأطفال من عدم وجود رب الأسرة رغم وجود الطعام والشراب والكساء، بدأت الثورة على الثورة.
وفي العام 1817م بداية القرن التاسع عشر، ضجَّ القادة العماليون وطالبوا بالتغيير، وتبنَّى قضيتهم الناشط الاجتماعي روبرت أوين، وطالب أصحاب المصانع بتقليل ساعات العمل إلى 8 ساعات، ونادى بمناداته المعروفة تاريخيًّا: "ثماني ساعات للعمل، ثماني ساعات للعائلة، ثماني ساعات للراحة".
ولقرنٍ، لم يسمع أصحاب المال إلى صَرخات العمال، إلى أنْ جاء هنري فورد في العام 1926م وقرَّر تغيير نظام العمل إلى أربعين ساعة أسبوعيًّا على مدى خمسة أيام، مع الإبقاء على رواتب العاملين كما هي.
وعندما سألته مجلة "ورلدز ورك" عن قراره، كان رده: "وقت الفراغ عُنصر لا غِنى عنه لكي تنمو السوق الاستهلاكية؛ لأنَّ الأشخاص العاملين يحتاجون وقتا حرًّا كافيًا ليستخدموا فيه السلع الاستهلاكية بما فيها السيارات".
وأقر الكونجرس الأمريكي عام 1940م تشريعًا يُحدِّد ساعات العمل بأربعين ساعة أسبوعيًّا على مدى خمسة أيام، ليصير هذا معيارا عالميا منذ ذلك الحين إلى يومنا. وبقي نظام العمل مُقيَّداً بـ8 ساعات عمل من الثامنة صباحا إلى الخامسة مساء، والتي هي 9 ساعات كاملة تتخللها ساعة استراحة. وبناءً على ذلك، يجب تعديل قانون العمل العماني الذي ينص على أن الاستراحة نصف ساعة اتِّباعاً للقانون الدولي!
وحتى في فترة استعباد العُمال إن جاء العامل متأخراً بساعة، فإنه يعوضها بساعة الراحة، ولم يكن مقترح التعويض بساعة بعد العمل نافعا؛ لأن المصانع كانت توقِف مكائنها للراحة؛ فهي كانت أهم لديهم من العُمال! إن مات عامل يُعوض بعامل آخر، أما الماكينة فتصليحها يكلف الكثير! ولكن مؤسساتنا الحالية اصبحت أشد من استعباد المصانع تلك، فهي لا ترضَى بقبول ساعة الاستراحة من الموظف مقابل تأخيره أو رغبته للخروج باكراً، وإن كانت تلك مبادلة منطقية، فعلى الموظف إكمال ساعات العمل والإنتاجية وليس التقيُّد بالدخول والخروج!
ونذهب إلى بريطانيا وأمريكا اللتين أسَّستا هذا القانون العُمالي ولتطورهما وتقدمها، فإنهما قد غيَّرتا هذا القانون، وتبعتها الكثير من الدول المتقدمة؛ وذلك لبعض الوظائف التي تحتِّم على الموظف التوافر بنظام 24 في 7، ولعدم التضييق عليه فإنه يبقى غير مقيد بالبصمة!
ولكن للأسف في دولنا لا يزال قانون "البصمة" ثابتا على جميع أنواع الوظائف، المقيدة والحرة في أغلب المؤسسات، وهذا يدل على أننا ما زلنا نعيش في العام 1940م! إلا القليل من المؤسسات التي أصحابها من العقول المثقفة التي تسعى للتقدم وزيادة الإنتاج بقانون فورد اللامباشر، وهو عدم التضييق على الموظف والترابط معه بعلاقة طيبة حتى لا يكره مؤسسته؛ لأنه إذا لم يصل إلى درجة الكُره لمؤسسته، فإنه سيعمل لها بنشاط وحب وتفانٍ، وهذه العوامل الثلاثة هي من العوامل الأساسية لزيادة الإنتاج الوظيفي.