خلل محتمل في علاقات برلين وباريس

"فايننشال تايمز": فرنسا الخاسر الأكبر من "بريكست"

ترجمة- رنا عبدالحكيم

اعتبرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن فرنسا تبدو الخاسر الأكبر من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، في ظل حالة الغموض التي تكتنف مفاوضات بريكست، إذ سيختل توازن القوى بين برلين وباريس عندما تخرج بريطانيا.

وفي مقال لفيليب ستيفنز مدير هيئة التحرير وكبير المعلقين السياسيين في فايننشال تايمز، ذكر أن ءخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان قرارًا بريطانيًا، لكنه بجانب إضراره بمصالح بريطانيا نفسها، فإن هذا القرار يكبد دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين الأخرى تكاليف باهظة. والأمر لازال ضبابياً، إذا ما فشلت انتخابات المملكة المتحدة الشهر المقبل في كسر الجمود. والخيار الكئيبً حقًا هو إعادة انتخاب بوريس جونسون رئيسا للوزراء أو دعم زعيم حزب العمل جيريمي كوربين أو قد تستجمع الحكمة الجماعية لحرمان أيهما من الأغلبية في البرلمان.

وسيكون من المستغرب أن يرد الاتحاد الأوروبي بطرد بريطانيا، فمن سيربح من خروج بريطانيا غير المنضبط من الاتحاد؟ ويحذر دونالد تاسك الرئيس المنتهية ولايته في المجلس الأوروبي، من تمزق أوروبي عنيف؛ إذ يتعين على بريطانيا والاتحاد الأوروبي أن يعيشا سويا مع بعضهما البعض بعد الخروج. وهناك إمكانية- لا أكثر من ذلك- لإجراء انتخابات غير حاسمة تعطي البريطانيين فرصة لتغيير رأيهم.

ويرى كاتب المقال أن غضب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من مسألة الخروج متجذر في سخط أعمق، فالرئيس أحد السياسيين النادرين الذين يخاطرون بتغيير المناخ السياسي في أوروبا؛ حيث يملك أفكارا لنهضة أوروبا، وكثير منها معقول، وذلك مقارنة ببقية قادة دول الاتحاد الأوروبي، الذين ليسوا سوى مجموعة من القادة لا يهدفون إلا لأجل الترشح بحثًا عن مأوى.

وقبل وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه، أعربت برلين عن أسفها لغياب شريك موثوق به في باريس. لكن الآن بعد أن أصبح لديهم واحدا، فإن طموح أنجيلا ميركل ومستشاريها هو أن ينعموا بحياة هادئة.

قد يكون الأمر مزعجًا حقا، لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس تفسيرًا لرفض ميركل وضع ميزانية كبيرة لمنطقة اليورو أو لفشل السياسيين الألمان من اليسار واليمين في مواجهة الناخبين بحقيقة محرجة وهي أنهم أكبر الفائزين من التكامل الأوروبي. وبنفس الإجراء، لا يمكن إلقاء اللوم على انهيار بريطانيا في خروجها من الاتحاد الأوروبي بسبب الشكاوى التي سمعتها عبر العواصم الأوروبية حول الطريقة الفردية لماكرون.

وعلى مر العقود، نشرت الحكومات في لندن كل أنواع الدعاية الدبلوماسية لإدخال نفسها بين باريس وبرلين. مرة أو مرتين، على مبدأ "إذا لم تتمكن من التغلب عليهم، انضم إليهم"، فقد روجوا لفكرة إدارة ثلاثية غير رسمية بدلاً من المحور الفرنسي الألماني. وفشلت المحاولات، لكن وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وفر في حد ذاته عنصرا من عناصر التوازن. في حين أنه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيبدو الاتحاد مختلفًا تمامًا، وقبل كل شيء، سيتم كشف الوجه الآخر للعلاقة بين برلين وباريس.

وحدهما بريطانيا وفرنسا من بين الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، لديهما وجهات نظر ومصالح عالمية. لديهما قوات مسلحة كبيرة يمكن نشرها. وقد تركهم التاريخ مع مزاج وطني يسهل عليه قبول المغامرة إلى أبعد حد. وتستطيع فرنسا فعل الكثير مع شركاء الاتحاد الأوروبي الآخرين لتحسين آلية الدفاع الأوروبية. لكن لا يمكن أن تفعل أي شيء جدي بدون بريطانيا.

ومن شان بريكست أن يُضعف بريطانيا اقتصاديًا، وستكون فرنسا هي الخاسرة. وكانت الدولتان تسيران في نفس القارب ويكافحان من أجل التمسك بمطالباتهما بدور عالمي ضد مطالبات الدول الصاعدة والضغط المستمر على ميزانيات الدفاع الوطني. وتمسك الدولتان بمقاعد دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يبدو أمراً غير منطقيا. فإذا سقطت بريطانيا الآن خارج الاتحاد الأوروبي نتيجة بريكست، فستجد فرنسا أنه من الصعب للغاية إبقاء السفينة راسخة.

تعليق عبر الفيس بوك