روبرت فيسك يكتب: الخطأ القاتل الذي دمر "ثورات الربيع العربي"

...
...
...

مقال رأي نشرته صحيفة إندبندنت البريطانية

ترجمة- رنا عبدالحكيم

يطالب الشباب والمتعلمون في العراق ولبنان والجزائر بوضع حد ليس فقط للفساد، لكن للطائفية وحكومات التحزبات الدينية ذات الثراء الهائل والغرور والسلطة.

لكن جميع المتظاهرين في هذه الدول ارتكبوا نفس الخطأ الذي وقع فيه ملايين المصريين في عام 2011؛ إذ يفتقدون للقيادة، فيظل غياب وجوه نزيهة معروفة، والمأساة الأكبر على الإطلاق أنهم لا يبدو مهتمين بالعثور على قيادة ما.

ويطالب المتظاهرون اللبنانيون بإسقاط النظام والحكومة والفاسدين، في صرخة شعبية واحدة، كما ينادون بوضع دستور جديد ينهي النظام القائم على المحاصصة الطائفية، والقضاء على الفقر المدقع. إنهم على حق تماما.. لكن ماذا بعد رحيل الحكومة؟

يبدو الأمر كما لو أن ثوار بيروت وبغداد والجزائر أنقياء للغاية إلى الحد الذي لا يستطيعون غمس أصابعهم في غراء السلطة السياسية وصلاحيتهم السماوية بحيث لا يتلوثون بأوساخ السياسة. إنهم يعتقدون أن شجاعتهم دائما وحدها ستضمن النصر النهائي.

لكن هذا غير منطقي، فبدون قيادة ستفشل كل الجهود.

لدى من يحكمون العالم العربي مخالب حادة، وسيقدمون تنازلات ساخرة مثل الوعد بوضع حد للفساد وإلغاء الضرائب المفروضة حديثًا واستقالة الوزراء. وسوف يمتدحون الثوار أيضًا، سيصفونهم على أنهم "الصوت الحقيقي للشعب" و"الوطنيين الحقيقيين" بعد أن أطلقوا عليهم صفة "غير وطنيين" وخونة موالين لـ"القوى الأجنبية". وستخوض الحكومة المستقيلة انتخابات جديدة مع وجود الوجوه القديمة والسيئة السمعة، بطبيعة الحال، وهي تغادر وتعود إلى ميدان الطوائف الدينية عند إجراء الانتخابات.

في الجزائر، أصبحت الطبقة المتعلمة حديثًا (والعاطلين عن العمل) تشعر بالضجر واليأس تحت وطأة الديمقراطية الزائفة للجيش الحاكم الآن. لقد تخلصوا من غيبوبة عبدالعزيز بوتفليقة، ويواجهون قائدا جديدا للجيش ووعد بالانتخابات في ديسمبر. وسيستمر الرئيس المنتخب حديثًا في أحضان الجنرالات الفاسدين الذين تعمل حساباتهم المصرفية حاليًا في فرنسا وسويسرا.

قولاً واحداً.. الجزائر ملك للجيش، وهذا ما أسميه أحيانًا "الشرق الأوسط"، ففي الشرق الأوسط اقتصاد مدمج فعليًا داخل الثكنات، وهو مجمع اقتصادي عسكري، مما يعني أن القيادة تعتبر الوطنية والثروة الشخصية غير قابلة للتجزئة. فيما أن خصومهم فقراء لا يريدون سوى الطعام في بلدهم المليء بالنفط. لكن ليس هكذا يرى الجنرالات الأوضاع. فعندما يطالب الناس بالتغيير، فإنهم- من وجهة نظر الجنرالات- يحاولون سحب أموال الجيش.

وإلى العراق، من هم القادة الجدد؟ لا معلومات عنهم. وهكذا فإن الجماهير المتعبة والفقيرة والمحتشدة في الميادين ترغب في استعادة بلدها والنأي بها بعيدا عن الوزراء الأثرياء الذين أساءوا إدارة ثروتهم، لكن السلطة تعاملهم الآن على أنهم يشكلون مخاطرة أمنية، مثل الغوغاء والرعاع والفوضويين، ومن ثم تواجههم السلطات بالذخيرة الحية لتفريقهم.

لقد قدم العراق المزيد من الشهداء في ثورته الحالية- 200 قتيل ومازال العدد مرشح للزيادة- أكثر من الدول العربية الأخرى. والآن بدأت الميليشيات المسحلة في قمعهم. وهناك 18 من المتظاهرين الشيعة قتلوا في كربلاء، كانوا ضحية لميليشيا شيعية إيرانية المنشأ. والأمر الذي لا يزال غير معروف على نطاق واسع في الغرب، أن أولئك الذين كانوا على استعداد للقتال والموت ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، ما زالوا مستعدين لإطلاق النار من أجل سحق ثورة عراقية.

وفي لبنان، تبدو المظاهرات هناك أقل دموية، لكن من المحتمل أن تكون الأوضاع مخزية أكثر، فقد تعرض مئات الآلاف من المتظاهرين في وسط بيروت للاعتداء من قبل عصابات تنتمي لجماعة حزب الله الذي يقوده حسن نصر الله. وقد حذر نصر الله من "الحرب الأهلية" وهي البديل المروع الذي يستخدمه الكثير من الطغاة لإبقاء شعبهم الفقير في خوف دائم.

إن على اللبنانيين والثوار العرب في كل مكان الالتفاف حول قائد، وإلا سيفشلون كما فشل غيرهم من قبل.

تعليق عبر الفيس بوك