فاطمة الحارثي
المرأة، خلق من خلق الله، جُبلت على واجبات ومهام على أرض الله جنبا إلى جنب في التكليف مع الرجل. كلٌ يُحاسب بما أتى وعمل، لا فرق ولا تمييز في الحساب فإمّا الجنة أو النار مثواهما. كما وأعطيت الخيار أيضا للعمل الصالح أو الفساد والسوء. وما على أحد إلا القول الصالح والنصيحة أي "البلاغ".
مؤخرًا، أتى على ذكرها الكثير من الناس، حتى بدأت أتساءل هل لم يبق للرجال عمل غير الحديث والنقاش عن لبس المرأة من حجاب وعباءة؟ هل خلت الحياة الدنيا من أمور مهمة، ومن حروب وظلم ومعاناة وأحكام إلا المرأة وماذا تلبس وكيف تفكر وماذا تكتب؟ لا أستهين بدور المرأة في المجتمع بتعجبي هذا؛ لكن استنكر فعل من هم في مقام الرجال بالخوض بعيدا عمّا هو جوهري. نعم هي تبني الأجيال لكن وجب إدراك أنّ جميع المهام إن لم تكن كلها كُلّف بها الاثنان معا وليس جنسا عن آخر، وأي نزوح -أيًّا كان- عن المألوف والمعتاد ليس إلا بسبب تقاعسنا عن الجوهري والأمور الأكثر تأثيرا في هذه الحياة.
وجدت كثيرين يتداولون الحجاب وكأنّها مادة قابلة لأن تُلاك في أفواه غريبة لا فقه لها ولا علم. المدهش أنّهم على قائمة العروبة والبعض منهم يطلق عليهم مسلمون. لأعود إلى الاعتقاد أنّهم قد يكونوا نتاج تلقين هش لا تعليم يحتوي واقعهم، تلقين من فكر ومنابر لا تستحق أن يقال عنها أنها دُور علم. ما هو الإبداع ومفهوم المبدع؟ ما هو العلم ومفهوم العالم؟ ما هو الأداء ومفهوم الشهرة والتميّز؟ هل الوجود والتحقق لكل هذا يحتاج الى أيديولوجيات عنصرية مثل انتماء ديني أو جنسي؟ هل لابد للإبداع أن يخرج من رحم السفور وتعاطي المُسكِرات والكيمياء ليتجاوز مراحل المخاض ليولد مدهشا، هؤلاء قوم نكروا على كاتبة مبدعة مؤلفاتها لأنّها محجبة، هاجموا فكرا وابتكارا علميا من امرأة أخرى، لأنّه خرج من رحم قطعة قماش دثرت وسترت به رأسها. عجبي انتقصوا من عقلها بسبب تلك القطعة الصغيرة بالرغم من أنّ أحدًا لم ينتقص رجولة أحد بسبب أسماله؛ طفرة عجيبة ترفع شأن الأنثى كلما قلّ ما تضعه من ستر وتحط من قدرها كلما منعت عنه زينة بنات إبليس.
أيّها العرب، أيّها المسلمون كفوا ألسنتكم عن لوك لبس النساء وحجابها واشتغلوا بما هو أهم؛ فلسطين مازالت تحت وطء الاحتلال، اليمن تبكي، بلاد العراق والشام تخضّبت بالدماء، شُرّد مسلمون وسقطت النساء أسرى وسبايا والأيتام لا يعلمون على أي أرض يهيمون، الإسلام تحت وطأة التشويه ومعتنقوه في العذاب في آسيا وأنتم في لهو وتراشق عن لبس النساء! واحسرتاه.
نكاد ندخل تيها لا ينتهي، جُردنا البعض من حق قبول الإبداع والتفكير والابتكار؛ لأننا نلبس الحجاب، تهجموا على جوخة الحارثية وغيرها من أديبات عربيات ومسلمات لأنّهن أبدعن وهن محجبات؛ وكأنّ الكتابة والإبداع حق لبنات إبليس أو أصبح له هيئة ولباس، ثم أنكروا على من رفعن الحجاب حق الترشح البرلماني ودخول الهيئات الرسمية – وكأنّ الهيئات دور عبادة- هل من عاقل يتكلم لنجد ما نجيب به فتياتنا الصغيرات المتابعات لحالنا؟ كيف للحال أن يستقيم ومتى؟!
عدد لا يُستهان به من شبابنا يشتغل بالكرة وآخر مستجدات أجهزة التسلية والقليل جدا من هم في اهتمام حقيقي بالفكر والتدبر والعمل وحال الأمة ودرء الفتن الظاهرة منها والباطنة من أجل إبقاء وإرساء العمران، وتوازن الصواب والقيم والعادات الأصيلة بالمستجدات والحداثة. الحياةُ ليست لهوًا ولعبا بل بناءً ونهضةً، والثقلان مكلفان فيها بواجبات ومهام، والحساب قائم بإنكار البعض أو الاستهانة به عند البعض الآخر لكل فعل وقول. نادى أقوام من قبل وسيأتي غيرهم بذات النداء، ما قولنا عند السؤال والحساب عن الحال.
رسالة
التغيير أمر وعمل يحتاج إلى إجراءات طويلة وصبر وحكمة ناهيك عن القدرة على رؤية أبعاد فعل اليوم على الغد، ولا يصلح أن يأتي التغيير إلا لمن هم مؤهلون له، ساعون نحو الأفضل لمن على الأرض دون تمييز أو تفضيل، الشدة والقوة لا تحدث إلا خوفا وأذى ولم تكن يوما جوهرًا لتغيير وتحسين دائم.
احترام المرأة ونبذ التمييز الجنسي هو أساس وواجب وليس دعوة عامة لأنّ احترامها من احترام الحياة والأمة وبعث السلام على الأرض، وأي ترويج وإن كان على هيئة رفض يبقى نشرا لا يمكن للمروّج أن يحكم فهم المتلقي لقوله أو دعوته. فاشتغلوا بالجوهر والمهم وانأوا بأنفسكم عن الصغائر ليستقيم الحال تلقائيا كما يجب.