"فورين بوليسي": الحكومات الشعبوية في أوروبا تواجه صعودا ليبراليا بالعواصم

مقال بقلم تيم جوسلينج، صحفي ومحلل يعمل في التشيك

ترجمة- رنا عبدالحكيم

يمكن أن تكون المعارضة على مستوى المدينة هي المفتاح لهزيمة الشعوبية في جمهوريات التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا وغيرها، فقد صعدت الحكومات القومية الشعبوية في جمهوريات التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا أو ما يسمى بمجموعة فيزيجراد، لكن عواصم هذه الجمهوريات- براج وبودابست ووارسو وبراتيسلافا- يمكن أن تمثل منبراً لتحدي الشعوبية على مستوى المدن، فالمعارضة الآن تدير جميع المدن الأربع من خلال منصب العمدة.

وتكبد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أول هزيمة سياسية كبيرة له منذ عقد من الزمان في شهر أكتوبر، عندما فقد حزب فيدسز الحاكم السيطرة على بودابست. والأمر متروك الآن لجيرجيلي كاركسوني العمدة الجديد، لإثبات أن فوزه كان أكثر من فوز رمزي.

وانتخاب زعيم السياسة الخضراء البالغ من العمر 44 عامًا بفارق يزيد عن 6%، أكمل عقد مجموعة إقليمية من رؤساء البلديات الشباب التقدميين الذين يسيطرون الآن على المراكز السياسية والثقافية والاقتصادية في مدنهم. وهذا يعني أن الأحزاب الحاكمة فقدت السيطرة على الأموال على مستوى المدينة التي تساعد في تحقيق الدعم السياسي، وعليها الآن أن تتصدى للتهديدات التي تواجه أجنداتها السياسية.

ويمكن للزعماء الشعبويين أن يوظفوا خسائرهم لتعزيز نهجٍ وضع بعناية من أجل الوقوف ضد الشعب وضد النخب الليبرالية العالمية.

إن التوقعات السياسية لرؤساء البلديات الأربعة بعيدة كل البعد عن أن تكون موحدة، فلدينا رافال ترزاسكوفسكي من وارسو، وزير سابق من التيار المدني من يمين الوسط، فيما يدير ماتوس فالو براتيسلافا فريقا من التكنوقراط المستقلين، أما عمدة براج زدينك هريب طبيب ناشط من حزب محاربة القراصنة. لكن هؤلاء جميعهم متحدون في معارضتهم للميول غير الليبرالية لحكوماتهم الوطنية. ويقول جاكوب جروزكوفسكي رئيس قسم أوروبا الوسطى في مركز الدراسات الشرقية، وهو مركز فكري مقره وارسو: "إنهم جميعًا شباب، متعلمون جيدًا، منفتحون، وقد وجدوا الطريق لجذب الناخبين من مدينة ليبرالية".

وبالمثل، لا تزال هناك اختلافات واضحة بين الحكومات الوطنية لمجموعة فيزيغراد، خاصة فيما يتعلق بعمق هجماتها على الديمقراطية الليبرالية ومدى جهودها الرامية إلى البحث عن علاقات مع روسيا والصين. ومع ذلك، فقد تبنى الجميع سياسات وخطابات الشعبوية والقومية، ووضعوا أنفسهم ضد التهديد المتصوَّر لنخبة دولية.

ففي المجر ثبت أنه من الصعب إقصاء الشعوبيين اليمينيين، لكن السيطرة على العواصم يمكن أن توفر فرصًا لأحزاب المعارضة للتقدم.

وتتمتع بودابست، شأنها شأن العواصم الأخرى في المنطقة، بثقل كبير من الناحية المالية والرمزية ومن حيث القوة السياسية الخام. والمنطقة الحضرية هي موطن لحوالي ثلث السكان المجريين وتمثل أكثر من 40% من اقتصاد البلاد.

وسوف يسيطر كاركسوني ورؤساء البلديات المعارضون الآخرون على موارد كبيرة، بما في ذلك بعض مليارات الدولارات من تمويل الاتحاد الأوروبي الذي يتدفق من بروكسل للمساعدة في تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وسيكون توزيع الوظائف الجذابة في الشركات المملوكة للمدينة تحت سيطرتهم أيضًا.

وبصفته عمدة عاصمة البلاد، سيحظى كاركسوني بأهمية سياسية كبيرة وتغطية إعلامية سائدة، على الرغم من المحاولات المحتملة للحكومة لشيطنته، وهو أمر نادر للمعارضة، لأن حكومة أوربان سيطرت على معظم منافذ التلفزيون والصحف. وسيمنحه مستوى بروزه الفرصة لبدء محادثات وطنية حول مواضيع مثل الفساد التي نادراً ما تحظى بالاهتمام. ويقول تاماس بودوكي رئيس تحرير قسم التحقيقات الصحفية الذي يتخذ من بودابست مقرا له "إذا لم تكن مواطنا واعيا، فلن تسمع بكل بساطة عن هذه الحالات".

في أماكن أخرى من تلك المنطقة، أصبح الشعبويون القوميون الحاكمون في حالة أسوأ في المدن الكبرى. فالفشل في الاحتفاظ بالمدن الكبرى، بما في ذلك العواصم الأربعة جميعها، قد ينتهي بهم إلى نكسة للحكومات الشعبوية في مجموعة فيزيجراد.

لكن على الرغم من كل الجهود التي يبذلها قادة المدن، فقد يثبت الاقتصاد التهديد الأكبر للأنظمة الشعبوية في جميع أنحاء المنطقة. ووفرت الطفرة الاقتصادية الأموال للحكومة وعززت الدعم الشعبي للشعبويين، لكن التباطؤ الاقتصادي قد ينهي ذلك.

ومثلما ساعدت الأزمة المالية العالمية على الوصول بهذه القوى الشعبوية إلى سدة الحكم، فإن حدوث تباطؤ آخر قد يضعف الدعم النقدي. ويشير استطلاع حديث إلى أن حزب الشعب الجمهوري قد يخسر 15% من أصوات الناخبين البولنديين إذا نضبت الأموال. ولن تحصل أحزاب المعارضة على السلطة مرة أخرى في جمهوريات التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا من خلال الانتصارات التي فاز بها رؤساء البلديات في العواصم وحدها. لكن زخم تلك الاضطرابات، إلى جانب ضربة محتملة للحكومات الحاكمة مع ضعف اقتصاداتها، يمكن أن يمنح أنصار التغيير فرصة للمواجهة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة