فاطمة الحارثي
ما هو الفساد؟ هل يستطيع أحد ما أن يُقدم تعريفا شاملا للفساد في بضع كلمات؟ في المقابل ما هي المثالية؟ هل قرأ أحد عن حقبة الفضيلة والمثالية؟ أتمنى قراءة هذا الكتاب أو البحث إن وجد. هذا يقودنا إلى طبيعة الإنسان فهو ليس بكامل، أي أمر طبيعي أن تحكمه عقد النفس وشهوة السلطة وطبعاً لا نستطيع أن ننتقص من اجتهاد إبليس وأعوانه.
أنت تريد أن تعيش وتضع للحياة صياغة بنكهة رغباتك، وهو يريد الحياة سهلة مُجيبة لكل ما يتمنى، وذاك يريد السعادة الأبدية وأن يكون كل شيء مثالي ومتناغم حسب معتقده؛ إذا في كل منِّا تلك الشعلة الصغيرة "الإيجابية" والمتمثلة في الرجاء والأمل، لكن تحت قيد "طريقتنا" هل تسطيع عزيزي المتلقي أن تعد عدد المرات التي حزنت أو تألمت فيها؟ يستحيل أن أجد إجابة لهذا السؤال لأن الجميع تجاوز تلك اللحظات مرات عديدة ومنا من أدمنوها بطريقة ما لتشعرهم بالحياة والوجود. ثمة بشر بنقاط ضعف عديدة منهم من يحب الشر من أجل الشر ومنهم من يحب الخير من أجل الخير ومنهم من يحب الخير حتى يُقال فيه المديح ومنهم من يُريد الشر لينتقم من خيال في رأسه، ومنهم من يدعي أنه مغلوب على أمره ومجبر على فعل ما يفعل، فهل نقوم بتوظيف كل مهوس بالقتل كجزار، وكل محب للخير كمزارع، هل نُشبع تلك الغرائز بأعمال أو هوايات؟ ماذا تقول الحكمة هنا...؟
لا يمكن حسب التاريخ البشري أن لا يكون ثمة فساد في المجتمعات، وإن تم إزالة جماعة، أتت بعدها جماعة بفساد آخر، الشر لم يُطمس يوماً لذلك لنكن واقعيين ولنحكم العقل في الأمور لا العاطفة والفردية. وصلني الكثير من الملاحظات من بعض القراء يسألونني فيه تناول موضوع الفساد، لا استطيع أن أخفيكم أمرا إنني لست مقتنعة بمعايير الفساد العامة التي يتبناها الكثير من الناس لأنها معايير تتماشى مع وجهات نظرهم الفردية وموضوعة من قبل البشر. بكل شفافية ليس ثمة فاسد كمفرد أو طاغية كفرد، لا يستطيع الإنسان بطبيعته أن يقوم بكل شيء بنفسه أو كفرد، بل مجموعة اجتمعوا على المصلحة وتنفسوا أهواءهم وشهواتهم، من يطالب بإسقاط مسؤولين من على مقاعد السلطة أقول له إن سقط فرد فهنالك عشرات، ولي القول مئات دونه سيكملون مسيرة ما تُعرفونه بالفساد.
إن الله عز وجل لم يضع الفردية في آيته الكريمة بل الجماعة "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" إذاً هو عمل جماعي بغض النظر إن كان من بين تلك الجماعة قائد مُعلن أو باطن، بالتالي وإن سقط "كبش الفداء" يبقى من بقي من مؤيدين ومنتفعين "بالفساد"، وإن جانبنا قصص تطهير الأرض من الفساد سنجد أن الحكم قام على الأقوام وليس الأفراد، قوم لوط، قوم فرعون، قوم عاد، قوم ثمود، قوم نوح ...إلخ. فرويدكم يا سادة يا من تتحدثون عن الفساد، أين أنتم في ذلك؟ وهل تم تسميته بالفساد لأنك لم تنتفع بالغنائم إن جانبت وهم فكرك؟ أو نصيبك أقل مما تشتهي. وإذا كان الأمر على الأنصبة ونسبة المُنال إذا فلقد تجاوزت حدودك البشري لأن قاسم الأرزاق هو الله والمسؤولية تكليف لا تفوق ولا تفضيل. وبدل أن تعدد عدد مسميات "التكليف" على أحدهم أشفق عليه من جسامة المسؤولية والمُساءلة أمام الله وادعو له بالصلاح والهداية، ففي الأخير هذه الكراسي مقاعد لابد أن يتم تعبئتها لنأي بعض الأنفس عن المحاسبة "يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ" ولا أحد يستطيع أن يجزم أيها المحصي للألقاب أو المنادي بالتشهير بعذر كشف الفساد أنك ستكون أفضل منه إن وضُعت في محله فلماذا نشر الفوضى!.
رسالة
العنف لا يأتي بشيء، والقوة الحقيقية هي قوة النفس وليس الأجساد أو الألسن، والحياة المتوازنة هي حياة طبيعية تحمل الخير والشر، الراحة تارة والابتلاء تارة أخرى، وليس ثمة ضعيف أو مستضعف أمام الله بل مُخير "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" إذًا فلنكن واقعيين ولنعمل على استقامة أنفسنا وأهلينا، أقلها الجيل القادم فهو تحت وطأة انشغالنا بمهاترات الحيوات، من تكنولوجيا تبعدنا عنه، ومشاكل تصعيد الوظائف، والكثير من المُلهِيات.
عقوق الآباء أكثر فتكا من عقوق الأبناء، وهم ليسوا بحاجة إلى المال "عذر غياب الآباء الدائم" فالله يرزقنا وإياهم بل هم في حاجة ماسة إلى التوجيه والتربية الصالحة لخيرهم ولنكون ممن أدوا أمانتهم كما يجب أمام الله.