البيادق الأمريكية والرقعة العربية

 

حمد بن سالم العلوي

ليس مستغرباً أن تعلن أمريكا عن مقتل البغدادي، فهو مجرد بيدق من بيادقها الكثيرة، وقد لا يكون قتله بالأمس صحيحاً، وليس شرطاً أن يقتله الأمريكان أو غيرهم، ولكن الشرط أن يحدث الإعلان عن مقتله بما له من أهمية لأمريكا، لذلك تولوا هم مسؤولية إعلان نبأ مقتله، وقد سبق وأن أُعلن عن مقتله مرتين أو أكثر، فمرة على يد العراقيين، وأخرى على أيدي الروس، ولكن الأمريكان ينفون ذلك، ومن حقهم أن يخفوا الحدث، ليس لأنّه هدفهم المعلن، ولكن مؤلف ومخرج المسرحية أمريكي، إذن المخرج هو صاحب كلمة الفصل في إعلان انتهاء الفيلم، وإن أعلنوا قتله فقد لا يكونوا قد قتلوه يقيناً، فعلى سبيل المثال فإنّ زمرة برجي التجارة العالمي قد صور لنا أنهم تبخروا مع تدمير الأبراج، ولكن جوازاتهم طارت منهم، وسقطت في أيدي الـ (FBI) ذلك حتى لا يسجل الحادث ضد مجهول، كما هو الحال عندما يكون الفاعل الكيان الصهيوني، ثم لحق بالركب أسامة بن لادن زعيم القاعدة، فالزرقاوي زعيم الفرع في العراق، وكذلك عبدالله عزام زعيم المجاهدين في أفغانستان، وغيرهم من البيادق الأمريكية على رقعة الشطرنج العربية.

لقد استمر الأمريكان في استخدام الصاعق المفجر في كل قضية كبرى، فحتى يجربوا قنابلهم النووية في اليابان، وهي التي كانت تخيف بقوتها العسكرية، وشراسة جيشها الغرب وأمريكا معاً، فقد استعملت حادثة (بيرل هاربر) عام 1945م كصاعق مفجر لإحداث شيء مهول لتخيف أمريكا العالم كله بسلاحها النووي، وقد نشرت كتباً كثيرة عن معركة بيرل هاربر بين اليابان وأمريكا، تلك الحادثة التي أعطت الشرعية لأمريكا المعتدى عليها للرد بالنووي على اليابان، ولكن ما نشر من معلومات أفادت بوجود علم مسبق بالهجوم، وإنّ السفن المهمة قد أبعدت من المكان، حتى تخلق الذريعة الكافية للانتقام، وكذلك قيل عن أبراج التجارة العالمية إنّه هجوم إرهابي على أمريكا، وقد أنشئت محل البرجين خمسة أبراج، فهدمهما صنع قضية كبرى.

إذن ابوبكر البغدادي زعيم ما سمي ظلماً بدولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام (داعش) كان نزيل سجن أبوغريب، ذلك السجن الذي جعلت أمريكا من مجرد ذكره شيئاً مرعباً، فكل الغل الذي كان في نفوس المسؤولين الأمريكيين على العرب، هُيئ ليصب على سجناء ابوغريب، فأبوبكر البغدادي صنعته أمريكا في أبوغريب، ليكون بيدقها في المنطقة، وكانت قد وضعت لها مخططاً لاحتلال منابع النفط لمدة أربعين عاماً، ذلك ما قرأته في أحد الكتب، ولأنّ الخطة قد وضعت في ثمانينيات القرن الماضي، فربما حدد تنفيذها عام 2001م، لتكون بداية التنفيذ انطلاقاً من حادثة الأبراج، ودولة "الخلافة اللا إسلامية" فقد جاءت لتحقق عددا كبيرا من الأهداف، أهمّها التأكيد على أنّ الإسلام دين إرهاب قول وفعل، وهذا حققته لهم الدولة اللا إسلامية، وعملها يأتي استكمالا لِمَا كان يفعله آخرون من قبلهم، ولكن بصورة غير مباشرة، وكذلك القاعدة فعلت، وذلك بجزّ رؤوس البشر وأكل أكبادهم، وتفجيرات الشوارع والفنادق، بوضع المتفجرات في الدبر، وتدمير الأمة العربية من الداخل، مازال مستمراً إلى اليوم.

ويأتي اليوم الرئيس الأمريكي "ترامب" ويعلنها دونما مواربة أو خجل من أحد، ولماذا الخجل؟ وهناك من يدفع له الأموال وهو راضٍ تمام الرضا عن ترامب، فيقول إننا مقابل تدمير العراق وسوريا، علينا أن نستولي على ثروات البلدين، فقد أعلن عن مقتل البغدادي هو بنفسه، وما قتل زعيم داعش إلا خاتمة للجهد الأمريكي، كما يزعمون ذلك، وهو يعلم أنّ هناك مِن العرب مَن سيردد خلفه عبارة "عاش ترامب حامي الحمى" ولكن سوريا والمقاومة الإسلامية وإيران وروسيا لهم قول مختلف تماماً عن قول ترامب، وكذلك الأحياء من العرب، أمّا الأموات بغير وفاة، فلا عزاء لهم فيما سيكون عليه الحال.

إذن لن تجد دولة في العالم تخلق الذرائع لفتح الحروب المدمرة، إلا دولة واحدة وهي أمريكا وربيبتها إسرائيل، فإسرائيل على سبيل المثال قتلت سفيرها في لندن، ليكون صاعق التفجير الذي تلاه غزو لبنان، واحتلاله عام 1982م، ولكن من رحم الشر يولد الخير في بلاد العرب، فتمادي الغرب في إمعان الذل والقهر في بلاد العرب، يولد ردة فعل قوية وعنيفة، فاحتلال بيروت تمخّضت عنه نشأة المقاومة الإسلامية اللبنانية، وذلك على عكس ما حدث في اليابان بعد الغزو النووي الأمريكي لهم، فغيّر اليابانيون الخطط العسكرية للحرب والغزو، وذلك بمخطط اقتصادي عنيف، فقد غزت اليابان أمريكا اقتصادياً، وكلفتهم بحمايتهم لها عسكرياً، إذن العربي وإن صبر ولكنه لا ينام على الضيم.

إنّ التقادير الربّانية ستهيئ للأمة العربية جنداً لله، فعلى أيديهم ستتحطم خطط الظالمين، وسيخرج من بين شظايا الأمة رجال أكثر قوة ووحدة وعزة، وسينصرف عبيد أمريكا وإسرائيل إلى اللهو واللعب، وسيلهيهم غرورهم عن الاستفاقة، ولأنّ استفاقتهم ليست في مصلحة الأمة، بل هي لصنع الدسائس والمكائد مع العدو ضد الأمة، ولكن سيكتب الله النصر والتمكين لرجاله المخلصين، وإن بعض الأحداث التي وقعت، أو تقع هذه الأيام أو ستقع مستقبلا، سيكون فيها خير وبركة، وستظهر المنافقين على حقيقتهم، وما عطَّل الصحوة العربية، إلا طغيان عدد المنافقين، وتخفِّيهم بالتورية عن أعين الأوفياء والأسوياء من العباد، اللهم نصرك يا ربّ العزة والجلال، اللهم آمين يا رب العالمين.