رحلة معرفيّة استثنائيّة إلى " مسقط"

 

د.رحاب الكيلاني | جامعة زايد - الإمارات

 

ما الذي شدّني لركوب طائرة من "دبي" إلى "مسقط" لحضور مؤتمر (التاريخ والصناعات البصرية الحديثة) الذي أقامه النادي الثقافي العماني، مع أني لم أكن مشاركة به؟! هل هي الحاجة إلى التفاعل الثقافي فيما بيننا نحن المهتمين بالشأن الثقافي؟! أم أنها رغبة المبدع الدفينة في معرفة ما يخفية هذا العنوان الجاذب من أسرار؟!

ربما تكون رسائل الكون التي تقودنا إلى فضاءات أرحب؟!

وقد تكون أقدارنا التي تسير بنا إلى أماكن جديدة، لنكتشف معها أفكارا نحتاجها وتتوق أرواحنا إليها؟!

كل تلك الخيارات ممكنة، لكن المؤكّد أنّ هذه الرحلة كانت من أهمّ الرحلات العلمية التي قمت بها هذا العام، بفضل البحوث المقدمة بما تحويه من أفكار، وما تطرحه من قضايا هيّأت بيئة خصبة للتحاور، والتداول، والنقاش المثمر، بين عقول واعية أتت من حقول معرفية مختلفة، ويعدّ هذا من أهم ميزات الدراسات البينية، التي اعتنت لجنة المؤتمر في تضمينها ضمن محاوره الستة الغنية، فلم يكن غريباً أن نستمع إلى باحثين عمانيين وعرب، ونستمتع بأوراقهم المهمة الـ 19، وما طرحته من مفاهيم ومجالات ومعايير الصناعات البصرية الحديثة، وكيفية الاستفادة من التاريخ والثقافة الإنسانية، كما جاء في اامحور الأول، وتناول الثاني التحديات والصعوبات التي تواجه الاستفادة من التاريخ في الصناعات البصرية الحديثة. فيما ناقش المحور الثالث الصورة البصرية وجماليات التجارب التاريخية المقدمة في الأعمال المسرحية والتلفزيونية، و طرح الرابع تجارب الاستلهام التاريخي في المعالجة السينمائية الحديثة، وسلّط المحور الخامس الضوء على نماذج تطويع الصناعات البصرية الحديثة في خدمة التاريخ بالاستعانة بالفنون البصرية التشكيلية، والنحت، والتصوير. أما المحور السادس والأخير فقد استعرض تجارب ناجحة في توظيف التاريخ والصناعات البصرية الحديثة من خلال التصميم الجرافيكي وتصميم الألعاب الإلكترونية.

هذا الغنى في المحاور، وهذا الثراء في الأوراق المقدمة، والنقاشات التي أعقبت كلّ جلسة، جعل المؤتمر ناجحا  بكلّ المقاييس، فترك بصمته المستمدّة من تاريخ مشترك على جميع المشاركين، والحضور، ومن ثمّ جاءت التوصيات لتتوّج جهود المشاركين في المؤتمر ، إذ دعت إلى إقامة المزيد من الفعاليات في مجال إبداعات الفنون البصرية والدراسات البينية، وأوصى كذلك بضرورة إقامة حلقات عمل الكتابة الدرامية التاريخية بالتعاون بين النادي الثقافي والجمعية العمانية للسينما والمسرح، ودراسة التحديات التي تواجه الدراما التاريخية ومعوقات تحدياتها من قبل الجهات المعنية والمختصين والخبراء، مع التأكيد على دور الإعلام الجديد في تعزيز الوعي بأهمية الصناعات البصرية التاريخية لمواجهة التحديات الراهنة للمجتمعات العربية، إضافة إلى ضرورة إدراج مواد تعليمية إثرائية عن الصناعات البصرية الرقمية في المقررات الدراسية، وإنتاج فنون بصرية موجهة للأطفال تهتم بالتاريخ العربي بشكل عام والتاريخ العماني بشكل خاص.

لم تكن رحلتي إلى مسقط، بالرحلة العادية، كانت رحلة استثنائية، من اللحظة الأولى لخروجي من الطائرة إلى لحظة مغادرتي المدينة، محملة بكنوز معرفية، وبصداقات إنسانية، لم أكن أتوقع أني سأعود بها، لولا أنها الأقدار السعيدة التي قادتني إلى مسقط أرض الجمال والفرص. وأعادتني محمّلة بطاقة امتنان عالية، للنادي الثقافي العماني،فشكرا لهدايا الكون.

تعليق عبر الفيس بوك