"موسكو تايمز": روسيا لا تستطيع منافسة الصين في إفريقيا

مقال منشور في صحيفة موسكو تايمز الروسية بقلم فيتا سبيفاك

ترجمة- رنا عبدالحكيم

عندما كان مستشارا للأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال جون بولتون خلال استعراضه لاستراتيجية البيت الأبيض الخاصة بإفريقيا في عام 2018: "منافسو القوة العظمى (أي الصين وروسيا) يوسعون نفوذهم المالي والسياسي بسرعة في جميع أنحاء إفريقيا". فقد تم تصميم إستراتيجية إفريقيا بأكملها كرد فعل على "الممارسات العنيفة" في كل من بكين وموسكو.

ويشجع التقارب الجيوسياسي بين روسيا والصين على التعاون بينهما في ذلك الجزء من العالم؛ حيث تراجع نفوذ الغرب بشكل ملحوظ في السنوات الخمسة عشر الماضية. وتطور الاختراق الصيني للقارة السمراء باستمرار منذ مطلع العقد الأول من القرن العشرين على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف، في حين أن نفوذ روسيا في إفريقيا بدأ يظهر فقط قبل بضع سنوات. وفي الوقت الحالي، فإن ظهور روسيا في الدول الإفريقية الأقل استقرارا في القارة يصب في مصلحة الصين، فلم تحدد بكين بعد مقدار الجهد والمال والوقت المستعدة لبذله للاستثمار في حل المشكلات الداخلية للبلدان الأفريقية.

ويندرج جزء كبير مما تفعله الصين في إفريقيا في إطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي، وهو حدث يعقد كل ثلاث سنوات منذ أوائل العقد الأول من القرن العشرين ويحضره قادة البلاد الأفريقية كلها تقريبًا إلى جانب القيادة الصينية. ومنذ منتصف عام 2000، لا يُعقد أي منتدى للتعاون الصين الأفريقي FOCAC إلا ويشهد الإعلان عن تمويل جديد من بكين للبلدان الأفريقية. ونما هذا الدعم من 5 مليارات دولار في عام 2006 إلى 40 مليار دولار في عام 2015. وفي المنتدى الذي أقيم في سبتمبر 2018 في بكين، أعلن الزعيم الصيني شي جين بينغ عن حزمة تمويل جديدة بقيمة 60 مليار دولار، عبارة عن 50 مليار دولار من مؤسسات التنمية الصينية، و10 مليارات دولار أخرى كاستثمار من الشركات الخاصة.

ولسنوات عدة، كانت الصين الشريك التجاري الأول لأفريقيا بنسبة 17.5% من إجمالي الواردات إلى الدول الأفريقية تأتي من الصين (بشكل أساسي الإلكترونيات، معدات التصنيع، ومنتجات المعادن). وتشتري الصين من جانبها المواد الخام من إفريقيا مثل الهيدروكربونات والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة.

وخرجت رؤوس الأموال الغربية تدريجيا من القارة، وبالتوازي عززت الصين نفوذها كمستثمر رئيسي. وفي السنوات الخمس الماضية، زاد الاستثمار الصيني في إفريقيا بمقدار 24 مليار دولار، والاستثمار من جانب كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالكاد تغير، بينما انخفض الاستثمار الفرنسي بمقدار 3 مليارات دولار.

والوجود المالي المتزايد لبكين في الدول الإفريقية يثير قلق الغرب، الذي يعتقد أن الشركات والمؤسسات الإنمائية الصينية تمول الأنظمة السياسية غير المستقرة هناك من أجل كسب أرباح إضافية. ومع ذلك، تعد الصين رابع أكبر مستثمر في أفريقيا؛ حيث وضعت 40 مليار دولار في عام 2016، بعد الولايات المتحدة التي تستثمر بـ57 مليار دولار، والمملكة المتحدة (55 مليار دولار)، وفرنسا (49 مليار دولار).

ويتمركز الاستثمار الصيني في إفريقيا في المقام الأول في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية، والتي تشهد أنظمة سياسية مستقرة نسبيًا، وتعد من أكبر شركاء الصين التجاريين في أفريقيا. ومنذ عام 2017، كانت الصين تستثمر أكثر في جنوب إفريقيا (ما مجموعه 6.3 مليار دولار) وزامبيا (2.5 مليار دولار) ونيجيريا (2.3 مليار دولار). وهذه البلدان هي أكبر متلق للقارة للاستثمارات الأجنبية من البلدان والمؤسسات الدولية الأخرى.

وفي أعقاب الاختراق الاقتصادي، شهدت السنوات الأخيرة زيادة تدريجية في تواجد الجنود الصينيين في إفريقيا. وفي عام 2017، تم إنشاء أول قاعدة عسكرية للصين في الخارج، وتحديدا في جيبوتي، على الرغم من أن المسؤولين الصينيين يشيرون إليها على أنها "مجمع لوجستي". وتقوم الصين أيضًا بإعادة تطوير البنية التحتية لجيبوتي، وبناء سكة حديد إلى إثيوبيا المجاورة، ونظام لإمداد المياه، والبنية التحتية الاجتماعية.

وحتى قبل ظهور القاعدة العسكرية في جيبوتي، كانت الصين قد دخلت بالفعل في دور "لاعب مسؤول" في إفريقيا. فعندما اندلعت الحرب الأهلية في عام 2013 في جنوب السودان- حيث تنشط شركات الطاقة الصينية- عملت بكين، تحت ضغط من المجتمع الدولي كوسيط في النزاع. وكانت تلك واحدة من أولى تجاربها في التدخل الرسمي في العمليات السياسية الداخلية لبلد آخر.

وبعد مرور ما يقرب من عام على خطاب بولتون، عُقدت القمة الروسية الإفريقية في مدينة سوتشي الروسية يومي 23 و24 أكتوبر، وهي الأولى من نوعها في روسيا. ومنذ الحقبة السوفيتية، عندما قدم الاتحاد السوفياتي "للجمهوريات الأفريقية الشقيقة" مساعدات اقتصادية وإنسانية وعسكرية متنوعة، انخفض تفاعل موسكو مع الدول الأفريقية بشكل كبير.

من وجهة النظر الاقتصادية، روسيا ليست شريكا جادا لدول القارة؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري مع دول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 3 مليارات دولار في عام 2017، ولا يمكن مقارنتها بأي حال بحجم التجارة مع الولايات المتحدة (27 مليار دولار) أو الصين (56 مليار دولار). ومع ذلك، تستخدم موسكو حاليا جميع الأدوات الاقتصادية المتاحة لتعزيز مكانتها في أفريقيا: في المنتدى في سوتشي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شطب 20 مليار دولار من الديون المستحقة على البلدان الأفريقية.

وصادرات روسيا الرئيسية إلى إفريقيا هي الأسلحة ولا شيء آخر؛ فمنذ عام 2009، أرسلت موسكو الأسلحة الروسية رسميًا إلى 18 دولة إفريقية، معظمها إلى أنجولا ونيجيريا والسودان. وإضافة إلى شحنات الأسلحة، تمارس موسكو نفوذاً في إفريقيا عبر متخصصين عسكريين ومستشارين.

وفي الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، وقعت روسيا اتفاقية تعاون عسكري مع جمهورية أفريقيا الوسطى، والتي دمرتها الحرب الأهلية منذ فترة طويلة. وبموجب شروط الاتفاقية، يعمل المستشارون العسكريون من روسيا رسميًا في العاصمة بانجي؛ حيث مقر حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى المعترف بها. وهناك أيضًا معلومات تفيد بأن ممثلي الشركة العسكرية الروسية الخاصة "فاجنر" يعملون في جمهورية أفريقيا الوسطى بصفتهم مسؤولون عن تفاصيل الأمن الشخصي لرئيس الجمهورية  فاوستن- آرتشانج تواديرا.

تعليق عبر الفيس بوك