مَسّ الكتابة والأدب!

 

د. أسامة الحاوي | مصر

 

مفتتح:

الحمد لله على نعمة صوت مولانا المنشاوي العظيم وعبدالباسط.. في سورة القصص.. (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ) .. أرتعدُ.. يسقطني في يآء (فَأَلْقِيهِ)، يطمئنني بـ(وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ)، يبشرها ويسرني بـ (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

أشعر بكامل العدم.. في مدّ (أصبح فؤآآد أمّ موسىٰ فارغًا)، وأحتضر.. أتوه.. أيأس.. (لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا) يسعفُ قلبي.. يضمدُه يسكّنه ويحييه.. (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، فتغمرني اللهفة المشوبة بالقلق من جديد.. في (قُصِّيهِ ۖ) وتتجلّى الرحمة والتعظيم..( فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ). ويعم سلام النفس والسعادة بـ(كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ).. فالحمد لله على هذه السورة وهذه الآيات.. وهذا الصوت.. أروع وأرقّ ما خلق الله في زعمي.. هي الأنثى.. وهي الأمّ.

 

مسّ الكتابة والأدب:

ما إن تكوّن الوعيّ حتى وجدتني أحبّ الكتّاب والشعراء وأهل الكلام والأدب .. تأسرني جملة بليغة من كتاب.. تطربني فصاحة خطيب.. حرصه على النحو؛ أبحث كمقدّم للإذاعة المدرسية عن مفتتحات وفواصل بين الفقرات.. تجمع الطرافة والفكرة.

في الأعوام التي كان يعينني الله بدرجة شبه نهائية في اللغة العربية كنت أنقص في الرياضيات خمس درجات.. والرسم ..أو لنقل التربية الفنية.. أذكر درجتي في الإعدادية جيداً 12 من 20 بواقع 6 من 10 في كل فصل دراسي !!

كان الجبر يرهقني وإن تعمّقت الهندسة واختلطت الأرقام أشعر بصداع يأكل ذهني وينهش دماغي.. بينما تمنحني البلاغة والدفاتر والمحابر عقولاً أخرى ومتسعاً وألف رئة!

***

مع بداية المراهقة.. كانت الدفاتر صديقاً ودوداً وإلفاً لا أخجل من الهمس له أو الصراخ أو البكاء في وجهه..

- ربما بعد الثلاثين اكتشفت أنه مهما استرحت بالبوح على دفتر، ومهما انهمرت الأفكار حين تكتبها.. إلا أنه من أفضل النعم.. إنسانٌ يكون قلبه لك الدفتر وعيونه المحابر .. لن تنبت للدفتر يد تمسح دمعك كما سيفعل ولن يظهر للورق ذراعان يطوّقانك حين تتعرّى، ولن يمنحك الدفتر حضناً تسمع فيه نبضة الحب : أنا معك. -

***

" ليس من السهل أن تُبتلى بمسّ الأدب .. والكتابة! يتنامى قلبك الصغير .. يكتظ بالشعور سلباً وإيجاباً، تعظم التوافه تزداد الحمول .. تكثر الفرضيات وتتزاحم الصور بيانية أو وهمية.. تغوص في بعض التفاصيل .. قد تُغرقك .. لا ينجيك إلا الله بإلهامك بوحاً يكون إسعافاً قبيل اختناق الحرف وحبس النفس ..

في الرابعة.. لا تزال كراسة الكُتّاب التي لقنني فيها الشيخ محمود خليل جاد - رحمة الله عليه -..أبجد هوز تبعث من بعيد بأنوار تهز القلب هزا وحنينا للمرحلة وطقوسها

وفي السادسة.. كتبتُ سطراً يبدي إعجابي بزميلتي.. بعدما تفنن الجميل أ. بحر شوقي في الغوص بنا في بحور الخط والعربية.

في الثامنة.. كتب لي شهادة تقدير على ورقة فلوسكاب ذهبت لتوقيعها من الوالد كناظر المدرسة .. ابتسم وطواها وأخبرني بانشغاله ثم شرح لي لاحقاً أن زملائي ربما لا يفهمون الأمر كما هو وقد يختلج صدرهم.. فذاكر بجد وحين تكون الأول في الشهادة الابتدائية أو الإعدادية ستنهمر عليك شهادات التقدير وسيوقعها لك من هو أكبر من ناظر المدرسة... وليس إلى الآن من هو أكبر منه رغم رحيله ورغم شهاداتي التي وقع بعضها وزراء !

في الشهادة الابتدائية.. كانت درجتي في اللغة العربية النهائية ..50 من 50 ..أذكر جيداً كم استغرب والدي أن يُمنح طفل الدرجة النهائية في التعبير واللغة العربية وكذا سعادته وتقديره للأمر !

في الاعدادية.. أخبرني الأساتذة الأفاضل أنهم كانوا يعرفون ورقة إجابتي من الخط والتعبير، وكان من حسن حظي أن أكون مع الدرعمي الفاضل ا. محمد دسوقي الذي أثرى حصيلتي اللغوية بما لا يسعني شكره على ذلك.

بالتأكيد لم يكن الأمر احترافياً ولا ناضجاً بما يكفي للإشادة بجماله وأثره لكن كانت بيني وبين القلم والدفاتر دوماً علاقة خاصة.. وكأن الله يخلق لك أكثر من قلب وأكثر من لسان.. حبب إليك الصمت ومتعك بأفلاك الخيال.. تضيف نكهاتك الخاصة للحبكة وتنتقي ما يصعب على اللسان البوح به.. ربما تهرب مما قد لا تستطيع العيون مواجهته أو ربما لأن القلب فاض بحزنه أو فرحه فيحب أن ينثر في الدفتر ما جال بالخاطر دون قيد أو حدود... وبدأت مراهقتي بكتابة اليوميات وكأنها فيما بعد سميت " مدونة ".

 

تعليق عبر الفيس بوك