الشورى العمانية.. تطور تدريجي

نجاة بنت صالح الكلبانية

إنَّ تجربةَ مجلس الشورى والتي بدأت في العام 1991 هي تجربة ذات أبعادٍ عميقة على المجتمع العماني؛ فالمجتمع العماني له صبغته الخاصة التي تميزه عن غيره من المجتمعات الخليجية المجاورة. فلا تزال القبيلة تلعب دوراً مهمًّا في المجتمع؛ وذلك بالطبع له تبعات على الكيفية التي يتعامل بها المواطن العماني مع القضايا التي تعترضه؛ حيث يُولي العماني تقديراً واحتراماً للأعراف القبلية وتُشكل لديه هذه الأعرافُ الحدودَ فيما يجوز وما لا يجوز.

تحرك المجتمع العماني منذ العام 1970 نحو المدنية ووضعت الحكومة الرشيدة خططها من أجل  إرساء القوانين التي تحدد ماهية المجتمع المدني آخذةً بعين الاعتبار خصوصية المجتمع وتمركز أفراده حول القبيلة.

تجربة الشورى في عُمان هي تجربة خاصة لها هويتها التي تميزها عن غيرها وهي اليوم تمر بمراحل نضج وتطور. وحين ننظر لتجربة الشورى في السلطنة لا نستطيع التغاضي عن دور الأعراف والولاء للقبيلة وتأثيرهما على السلوك الانتخابي للمواطنين.

نود في مرحلة مستقبلية  قريبة نطمح إليها جميعاً أن نصل بتجربة الشورى لأن تكون مبنيةً على كفاءة المترشح، ولكن لأن تجربتنا الانتخابية ما زالت فتية، فإنه من المتوقع بل من الطبيعي أن تكون الممارسات الانتخابية مغايرةً بعض الشيء لما نتوقع.

ففي مرحلة من المراحل الزمنية كانت دفة القيادة في الولايات مرتبطة بالقبيلة وتحديداً بشيخها الذي يحتكم إليه أفراد تلك القبيلة، وقد ارتبط منصب شيخ القبيلة في كثيرٍ من الأحيان بالعمر؛ حيث يكون شيخ القبيلة عادة الأكبر سنًا؛ وذلك لارتباط الخبرة الحياتية بالعمر الزمني كما ترتبط الحكمة في أذهان الكثيرين منا بالعمر. فنرى فيمن هم أكبر عمراً أكثر حكمةً وخبرة تشكلت لديهم على مدى السنين؛ ولذلك شاع المثل الشعبي المتداول: "أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة".

وفي المقابل، جاءت انتخابات مجلس الشورى لتصنع نمطاً مغايراً عما اعتاده المجتمعُ، وهو أن يترشحَ مجموعةٌ من الأفراد لتمثيل ولاياتهم نظراً لما يتمتعون به من مميزات أو نفوذ أو سلطة أو سمعة طيبة في الولاية، لينطلق لاحقاً أهالي تلك الولاية للتصويت لهؤلاء المترشحين.

وتبدأ عملية التصويت ليدلي الناخبون بأصواتهم منطلقين من معتقدات اعتادوها وألفوها فنجد الناخبين يختارون مرشحيهم طبقاً لولائهم للقبيلة. كما قد يصوت أفراد البيت الواحد لنفس الشخص لأنهم وحدةٌ واحدة وولاءات الأسرة الواحدة من المتوقع لها أن تكون متحدة. فليس من مظاهر احترام الأب مثلاً أن يصوت الابن أو الابنة لمترشح مختلف عمن اختاره أباهما. وتصوت المرأة المتزوجة للمترشح الذي اختاره زوجها احتراماً له -أعني الزوج- ولأننا ما زلنا وفي كثيرٍ من الأحيان نتوقع من المرأة أن تقبلَ حتمية تبعيتها للزوج.

وانتخاب المترشح الأفضل ذي الكفاءة وإن كان حدث سابقاً وسيحدث في الدورة الحالية إلا أنه لا يزال ليس سمة غالبة على العملية الانتخابية.

لكنَّني أعود لأشدد على أن هذه الصور الشائعة في العملية الانتخابية هي صورٌ طبيعية  في أي مجتمع يخوض التجربة الانتخابية بأي شكل من الأشكال ولا تقتصر على المجتمع العماني فحسب. لا يجب أن نشعرَ بحساسيةٍ تجاه وجود هذه السلوكيات كما أنه يجب ألا ندّعي بأننا أصبحنا نمتلك درجةً عاليةً من الوعي والنضج في تجربة مجلس الشورى الانتخابية وما تمثله لنا. فمع تعاقب السنين وتغير المجتمع وتراكم خبراتنا من العمليات الانتخابية السابقة سيزدادُ وعي الناس بما يقتضيه الترشح لمقعدٍ في مجلس الشورى، وما يعنيه تفضيل مرشح ما على غيره، وسيرتفع لدينا مستوى الوعي كذلك بأهمية صوت الناخب الذي يملك أن يغيرَ الموازينَ إن استخدم صوته بأمانةٍ وبفكرٍ ليضع نصب عينيه المصلحة العامة وبأننا حين نبحث عن المترشح الذي سيخدم الولاية بكل إخلاص وتفانٍ، فإننا بذلك نخدم مصالحنا جميعاً. ولقد رأينا مؤخراً بعض التوجهات الإيجابية على مستوى الولايات المختلفة لضمان اختيار المترشح الأفضل عن تلك الولاية وهو دليلٌ على حدوث نضج في السلوك الانتخابي.

تتطوَّر المجتمعات في العمران والبُنى الأساسية بسرعةٍ أكبر من تطور أفرادها في الثقافة وأنماط التفكير والنظرة للآخر؛ لأن الأخيرةَ جميعها محكومةٌ بعاداتٍ وتقاليدٍ وموروثات تنتقل من جيل لآخر ونبذها يظهر للبعض وكأنما هو أشبه بتنصلٍ من الجذور ومن الهوية؛ لذلك نجد التغييرَ فيها بطيئاً.

قد تحتاج لعقود لتتمكن من نقل دولة من مرحلة إلى أخرى من حيث التطور والحداثة والمدنية في كل شيء، لكن يلزم عقود أطول كي تتمكن من تغيير الأفكار والمعتقدات الراسخة في العقول.

وانتخاباتُ مجلس الشورى مبنيةٌ على موروثاتٍ ومعتقداتٍ اجتماعية قد يبدو التغيير فيها متدرجا، لكنه سيحدث لا محالة وما نتمناه بالطبع هو التغيير الإيجابي الذي تكون غايته الأسمى هي صلاح البلاد والعباد، وإن أبناء عمان على ذلك -بإذن الله- لقادرون.

تعليق عبر الفيس بوك