الحركة النِّسويّة من الميسوجينية إلى النازية

 

ياسمين البطاط

تجول في عقلي فكرة ما منذ فترة وهي أن: المرأة و الرجل ليسا متطابقين من الناحية الجسدية والنفسية، وإذا اتفقنا على فرضية أن الأشياء المتطابقة ينبغي معاملتها بمساواة، وأن الرجال والنساء ليسوا متطابقين، فينبغي أن لا نتعامل مع الرجال والنساء بمساواة تامة.

الحركة النسوية دافعت بكل ما أوتيت عن حقوق المرأة وجعلتها في مكانة متساوية مع الرجل حتى لقبت بالنازية الجديدة لتطرف الكثير من أفكارها وأعضاءها. وهذا ما يتناقله الكثيرون. هي من أقوى الحركات التي تزداد شهرة وصيتا عبر التاريخ.

 منذ القرن الخامس عشر والحركة النسوية تبث أفكارها للعالم، فالمصطلح "نسوية" أو "feminism" سيعجب البعض فور سماعه، وفي كثير من الأحيان يواجه هذا المصطلح بالكره والنفور، حتى البعض يطلق هذا المصطلح كتهمة و ذنب على الآخر، و البعض شبه الحركة النسوية بالحركة النازية، أو الداعشية المتطرفة أيضا!

ما هي كواليس تلك الحركة التي جعلت منها رأيا متخلفا في نظر الكثير؟ وما هي الإيديولوجيات التي يحملها العقل النسوي الذي أصبح اليوم محل جدل ونقاش؟ و لذلك قرأت مليا في موضوع النسوية، وتوصلت إلى بعض النتائج والأفكار التي أردت أن أشاركها معكم، لا لإعطاء الإجابات، بل لطرح الحقائق، والتساؤلات.

لنرجع إلى الخلف كثيرا ونتوقف عند القرن الخامس عشر، حيث كانت بدايات الحركة النسوية في أوروبا، وتحديدا في فرنسا حيث ذاع أول صوت يدافع عن المرأة، من الكاتبة كريستين دي بيزان، و هي فيلسوفة، نسوية فرنسية قاومت ما يُعرف باسم كراهية النساء أو (الميسوجينية).

وفي القرن السادس عشر، نشرت الكاتبة الإنجليزية جين إينغر عدة مقالات مطالبة فيها حماية النساء اللواتي لا يرغبن بالزواج أو العمل، وفي تلك الأثناء بدأ العقل النسوي يتطور شيئا فشيئا حتى عقد أول اجتماع لوضع اتفاقية حقوق المرأة في نيويورك عام 1848.

أما في القرن التاسع عشر فقد تم استخدام مصطلح "ذوي الجوارب الزرقاء" كتعريف مختصر للنساء اللاتي يمتلكن ثقافة ومعرفة، فكانت بداية ظهور أصوات نسائية أوروبية أكثر مطالبة بحق النساء في الدراسة، وتملك العقارات مثل الرجال، والمشاركة في الحياة العامة والتصويت. ومن هنا، بدأت الحركة النسوية الليبرالية الأمريكية". بدأت هذه الحركة بالظهور على صورة أكبر في ظل الحركات المعارضة للعبودية، التي اجتهدت من أجل التخلص من الرق، ونتيجة لهذا فقد تم اصدار وثيقة "سينيجا فيلز" والتي اقتبس مصدرها من وثيقة الاستقلال الأمريكي والتي طالبت بإعطاء المرأة الحق في التصويت الانتخابي، والحق في الزواج، والحق في التملك قبل كل شئ. وأطلق على أعضاء الحركات النسائية الأولى اسم "مناصري حقوق المرأة". ولكن في الحرب العالمية الثانية أصبح دور المرأة لا يستغنى عنه.

 وبحلول عام 1945  قُتلت أكثر من 2.2 مليون امرأة تعمل في الصناعات الحربية، وجُندت الآلاف من النساء الممرضات، وانضمت آلاف آخريات للميليشيات الدفاعية، وفي المقابل في الجيش الأمبراطوري الياباني في البلدان المتحالفة، أُجبرت بعض النساء في المناطق الخاضعة للاحتلال الياباني على العبودية الجنسية و دعين بـ"نساء المتعة"، و لذلك تزعزت الحركة النسوية كثيرا بعد الحرب. ولكنها عادت في الستينيات ليعلو الصوت النسائي مطالب بمنع أصحاب العمل من التمييز الجنسي، وإعطاء المرأة الحرية الجنسية في اختيار شريكها، و عدم ربطها بمهام الأسرة والمنزل فقط، و التأكيد على حق المرأة في العمل حتى بأعمال يغلب عليها الذكور، و يمكن أن نسمى هذه الحوادث بالموجة الأولى للحركة النسوية.

بعد الحرب العالمية الثانية بعدة سنوات، ظهرت الموجة الثانية من الحركة النسوية، فأثرت العديد من الأفكار على هذه الموجة والتي تعود أصولها إلى كتاب "سيمون دي بوفوار" عن "الجنس الآخر" عام 1949 وفي كتاب "الغموض الأنثوي" عام 1963 لبيتي فريدان.

وفي بداية التسعينيات من القرن العشرين ظهرت الموجة الأخيرة من الحركة النسوية التي ما زالت ممتدة إلى وقتنا الحاضر، تركزت الموجة الثالثة على وجود أكثر من نموذج أنثوي وفقًا للأوضاع الاجتماعية والعرقية والجنسيات والدين، على عكس الثانية التي اعتقدت بوجود نموذج واحد فقط، فكانت حزبًا واحدًا وتقوم على عقلية واحدة فقط ولكنها انقسمت إلى عدة أحزاب و نماذج أهمها: النسوية الليبرالية، النسوية الاشتراكية الماركسية، والنسوية الراديكالية وغيرها.

نايومي وولف التي ألفت كتاب "The beauty myth" والذي يعتبر من أكثر الكتب تأثيرا في القرن الحادي والعشرين، ومع هذا الكتاب أصبحت متحدثة باسم ما عرف بالموجة النسوية الثالثة. في كتابها التفتت وولف إلى مُعوِّق آخر، هو "الصور الشائعة حول الجمال الأنثوي، التي تثقل كاهلنا بوحشية" كما تقول. فمع خرق المرأة لبنية السلطة السائدة من جهة، ظهرت من جهة أخرى مشكلات اجتماعية عميقة لها علاقة بمظهر المرأة وسياسة الجسد، كاضطرابات الطعام، وإزدهار قطاعات اقتصادية معتمدة على الاتجار بجسد المرأة كالبورنوغرافيا وصناعة مستحضرات التجميل والجراحة التجميلية.

ولا يمكن الحديث عن قضية المرأة من دون المرور في موضوع العنف، لكن العنف الذي بحثت فيه وولف ليس سلوكيات العنف التقليدية الموجهة ضدّ المرأة؛ بل العنف المُشرَّع والمُروَّج له باسم الجمال، وهو الجراحة التجميلية. ومع أن لجوء المرأة إلى عمليات التجميل يبدو غالباً خياراً إرادياً، إلا أن وولف اعتبرت أن "أسطورة الجمال" هي من ترغم المرأة على إجراء الجراحة التجميلية. فالمشكلة، برأي وولف، ليست في عمليات التجميل والنحول واستخدام مستحضرات التجميل؛ بل في "عدم وجود خيارات". من هنا مقولة وولف بأن "الجمال يُؤلم"، وهو يختزل صراعاً بين "الألم واللذة، وبين الحرية والإكراه".

عندما انقسمت النسوية إلى أحزاب في الموجة الثالثة، تغيرت وجهات النظر تجاهها واختلطت الآراء بين الرضا و الرفض واعتبرت النسوية الليبرالية أقل الأحزاب تطرفا، تؤمن النسوية الليبرالية بأن حرية الفرد هي القيمة الأساسية للحياة، وبالتالي تسعى النسويات الليبراليات إلى حصول النساء على حريتهن وحقوقهن.

و تأتي بعدها النسوية الماركسية التي تتعامل مع المرأة من جانب طبقي و تؤمن بأن مشكلة اضطهاد المرأة وسلب حقوقها بدأت في الأصل بسبب ظهور الملكية الخاصة والملكية الفردية، و الحل بالنسبة لهم هو تغيير المجتمع بالكامل وتغيير أفكاره مئة وثمانون درجة، و هذا هو الحل الوحيد لتغيير مكانة المرأة داخل المجتمع. أما الطائفة التي تعتبر من أسوأ المذاهب عنفا و تطرفا في الحركة النسوية هي النسوية الراديكالية والتي تستند إلى أن جذر عدم المساواة الاجتماعية في كل المجتمعات ترجع إلى النظام الأبوي وهيمنة الرجل على المرأة، و أن سبب تبعية المرأة هو مؤسسة الأبوية وليس الرأسمالية، فاقترح النسويون الراديكاليون الإطاحة بالنظام الأبوي عبر معارضتهم لأدوار الجنسين وقاموا بالدعوة إلى إعادة تنظيم المجتمع.

وفي الأخير أعتقد بأن النسوية هي من أهم الحركات التي تعترض عقولنا وشبابنا اليوم، ولذلك ينبغي علينا دراسة أيديولوجيات هذا الحزب الذي بات اليوم يغزو دولنا، هل تدافع الحركة النسوية فعلا عن النساء المظلومات في هذا العالم؟ أم أنهم يرفعون جنسا على حساب جنس آخر ظنا منهم أن هذه هي المساواة؟ و هل تعتبر المساواة التامة بين الجنسين هل الحل الأمثل في زمننا؟ أم أن العدالة و إعطاء كل ذي حق حقه هو ما سيرفع المستضعفين من الرجال و النساء؟ أترك التحليل لكم.

 

تعليق عبر الفيس بوك