لماذا نلوم القطاع الخاص؟

عبد الله العليان

 

كتب الكثيرون من الكتاب، ونحن منهم أيضا، وفي وسائل التواصل، في نقد القطاع الخاص ونلومه لتقاعسه عن تأدية دوره الوطني في مسألة تعمين الوظائف في بعض الشركات الفاعلة، لتحل محل العمالة الوافدة، وهذا النقد، ليس خالياً من الصحة، فهناك الكثير من الوظائف، يستأثر بها غير العمانيين، وهذه تحدثنا عنها كثيراً، ومنها ما كتبناه الأسبوع المنصرم، وقد تحدث معي بعض القريبين من هذا القطاع، أنّه يعاني الكثير من المشكلات المادية، لعل بعضها، بسبب ظروف الأزمة المالية التي تعاني بلادنا، والتي هي بلا شك أزمة عالمية.

وقد أثرت هذه الأزمة على هذا القطاع أيضا، مثل بقية القطاعات، وهي أزمة عابرة إن شاء الله، لكن المعاناة التي ـ كما سمعتها من البعض ـ أن بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص، في طريقها إلى الإفلاس، أو أنّ بعضها أصبحت متوقفة عن الأعمال، بسبب الظروف المالية، التي لم تحصل عليها من الحكومة، وتتأخر كثيراً عن الدفع، مما تتوقف العمالة عن العمل، بحجة أنّهم ليس لهم مورد من الدخل، إلا من عملهم في هذه الشركة أو المؤسسة، ولذلك يقف أرباب الأعمال في مشكلة مادية صعبة، تنذره بالتوقف، أو يدخل إلى المحاكم، بسبب الشكاوى عليه، بعدم دفع حقوق هؤلاء العمال، إلى جانب مشكلات أخرى، لصاحب العمل وإدارته، فأصحاب الشركات والمؤسسات، في غالبيتهم، يستدينون من البنوك، وعند تأخرهم عن الدفع، تتضاعف عليه المديونيات، والبنوك، لا تعرف الأعذار، ولا الالتفات للظروف والمصاعب التي يعانيها أصحاب الأعمال، فهي ليست جمعيات خيرية، تدفع للعمل الخيري للأجر والثواب، وهذا مستبعد من اهتمامها، إلا ما ندر، وفي أضيق، كما نعلم، ولذلك فإنّ قضية تأخير دفع مستحقات الإنجاز لأعمال هذه الشركات والمؤسسات، مشكلة صعبة، وأزمة لأصحاب الأعمال والعمالة، بل وأزمات نفسية أيضاً، وقد تأتي بأمراض العصر المعروفة لهم، جراء هذه المشكلة، وهذا حصل عندما جاءت أزمة الأوراق المالية قبل عدة سنوات؛ عندما ارتفعت قيمة الأسهم إلى أرقام خيالية، فكان هذا الارتفاع مفتعل ومرتب وفخ لأصحاب النيات الطيبة؛ لوضع مدخراتهم في هذه الأسهم، فجاءت المبالغ من كل حدب وصوب، للدخول في الأسهم، للحصول على الفلوس والأسهم، وكأنّها على قفا من يشيل، حتى النسوة أيضًا وقعن في هذا الفخ، بعد بيع بعضهنّ مجوهراتهنّ للمشاركة في الأسهم، ويذكر لي أحدهم -من بعض هؤلاء الذين خسروا عشرات الألوف في الأسهم- أنّ أحدهم عندما كان يصلي المغرب في بيته ، صلى (30) ركعة، وعندما قالت له زوجته، أن فرض المغرب (3) ركعات، فلماذا كل هذه الركعات تؤديها؟ رد عليها: إن صلاة المغرب ليست سهلة، وليست عادية، كما تعتقدين!! وهذا يعني أنّ الرجل كان في أزمة نفسيّة فوق طاقته واستيعابه، بسبب الخسائر الكبيرة التي جاءته فجأة، وربما يكون قد استدانها، أو أخذها من أحد البنوك.

وهذه الإشارة إلى قضية الخسائر في الأوراق المالية، تذكرنا بما تكون عليه الأزمات المالية، ومنها ما تعانيه بعض الشركات والمؤسسات، لبعض الناس، بسبب عدم قدرتها على دفع مستحقات عمالها، والكثير من الشركات جمّدت نشاطها تماماً، ولذلك على الجهات المسؤولة، عن صرف المستحقات المحددة في العقد، والتي تدفع على مراحل، عليها أن تلتزم بما تم الاتفاق عليه، حتى تتفادى الشركات التي تقدم العمل الموكل إليها، أن تكون لديها القدرة على الاستمرار، من خلال إعطاء العمالة حقوقها، وإنقاذ هذه الشركات من الأزمات والمشكلات، ونحن قد نلوم بعض هذا القطاع وننتقده في مسألة الإحلال للعمانيين، لكن يجب أن نتعاطف مع القطاع، في مشكلة الحصول على مستحقات هذه الشركات والمؤسسات، جراء عقودها مع الجهات الرسمية، وغيرها من القطاعات، فالمسالة هي كيف نعزز وندعم هذا القطاع للوقوف على قدميه، وليس السقوط، بسبب الظروف التي يعانيها؟ وعندما نطالب هذا القطاع أن يؤدي واجبه، للوقوف مع حكومته، في استيعاب العمالة الوطنية، بكل جدية، لا بد من أن نساعده في حلول عملية، لحل ما يعتريه من مشكلات وأزمات، عندما نطالبه بالواجب الوطني.. فإنّ علينا أن نهتم بما يعانيه، ونحل كل العقبات التي تقف عائقاً، أمام هذا الواجب، ومنها عدم تأخير مستحقات هذه الشركات والمؤسسات، عند كل فترة استحقاقية كما حددها العقد، وهذا هو الذي يجعل القطاع الأهلي فاعلا، وقادرا على العطاء المستمر، وأيضاً يتحمّل مسؤوليته الوطنية في التوظيف في نفس الوقت.

أيضاً كما نسمع، فإنّ مبادرات الشباب، في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعاني من قلّة النشاط؛ ربما للظروف الاقتصادية، فبعض هذه المؤسسات كما يقال توقف نشاطها، وهذه تحتاج لإعطائها بعض الأعمال التي تناسب قدراتها في الحركة الاقتصادية في بعض المشاريع، وألا تستأثر الشركات الكبيرة بكل الأعمال، فمن المهم جدا إسناد هذه الشركات المتوسطة والصغيرة؛ والتي تجعل بعض هؤلاء الشباب يتفرغ للعمل الخاص، وهذا لن يجد الحماس إلا من خلال إيجاد فرص تعطى له للاستمرار في هذه المؤسسات.