السينما وواقع الإنسان اليمني

 

د.عزة القصابي

عبر سلسلة من الأفلام السينمائية دأبت الجمعية العمانية للسينما والمسرح على عرضها أسبوعيا. عرضت الجمعية مؤخرا ثلاثة أفلام قصيرة من الجمهورية اليمينة، تضمنت رسائل متباينة؛ كل فيلم على حدة.

وتُعدّ الأفلام القصيرة وسيلة مستحدثة في ضوء القصة القصيرة والمسرحيات القصيرة والأغاني القصيرة. وهي تختزل الزمن والحدث في إطار الصورة البصرية المعبرة. وتحتاج الأفلام القصيرة إلى عين مخرج محترفة، تركز على موضوع معين، وتنقله للمتلقي برؤية جمالية، دون أن تتجاوز مدة الفيلم ستين دقيقة. ويترك لهذه النوعية من أفلام الصورة البصرية التعبير عن الواقع، تساندها ملامح الشخصيات وإحداثيات الزمان والمكان.

وفي فيلم (فاصلة) للمخرج رمزي الشرعبي، وجدت البطلة نفسها تعيش وسط مجتمع محافظ، لا يعيطها حق الاختيار أو تحديد مصيرها الحياتي. ويتسلسل الحدث في هذا الفيلم عبر محطات كثيرة، حدثت في حياة الشخصية، آخرها قرار الزواج واختيار شريك الحياة، الذي ارتبط بالأسرة والمجتمع أكثر من الفتاة. كما ركّز الفيلم على الصورة البصرية من خلال عرض لقطات متصلة بمراحل حياة الفتاة في زمن لا يتجاوز أربع دقائق.

تمكن المخرج وفريقه بمعية الفتاة "المرأة " الشرقية من تجسيد الواقع الاجتماعي، المتضمن الكثير من التابوهات المحرمة، والتي حالت دون إعطاء فرصة للفتاة لتقرير مصيرها، لذلك فإنّ هنالك حلقات مغلقة فرضت عليها. ويكتظ الفيلم بعدد من الدلالات الرمزية المتباينة بهدف   إيصالها للمتلقي.

وحرص المخرج ياسر شرف في الفيلم الثاني "كاسيت"، على النبش في واقع حياة أسرة بسيطة، مكونة من أم وابنائها الثلاثة (ولدان، وابنة). وسرعان ما تراجعت الأحداث للخلف (الفلاش بك) لترصد حياة هؤلاء الشباب عندما كانوا صغارا، يحلمون بأمنياتهم الصغيرة. ومع مرور الزمن، واجهتهم ظروف الحياة الصعبة، أهمها تدني مستوى العيش، وانخفاض مستوى التعليم، وضعف مصادر الرزق.

تضمن الفيلم الكثير من التفاصيل والأحداث التي جعلته يتقرب من الدراما الاجتماعية، التي تحتمل الإسهاب والتفصيل. بينما غابت رؤى الفيلم القصيرة ذات المضمون المختزل، وطغت الحوارات السردية على احداثه. وكان الطرح مباشرًا عند التعبير عن معاناة الشخصيات، ولو اتسعت مساحة الأحداث لتحول إلى فيلم طويل.

الفيلم الثالث بعنوان (دون إكراه) للمخرج دارس قائد. اختزل هذا الفيلم المسافات الزمانية والمكانية. وتدور أحداثه حول أشخاص يستجوبون في غرفة واحدة، يجلس أمامهم شخص يطرح عليهم مجموعة من الأسئلة تدفعهم للحديث عن قضيتهم، ويقوم كل واحد منهم بالرد على الأسئلة التي توضح معاناتهم، ليتضح في النهاية أنّ الشخص المستجوب يمثل "الحكومة"، بينما الأفراد يحملون دلالة على "الشعب"، وفي النهاية يقرر المستوجب أن هؤلاء الأفراد لا يحتاجون للعقاب أو الجزاء، لأنهم سيعاقبون أنفسهم، وسينتحرون في النهاية بسبب واقعهم الصعب، كلا حسب مشكلته!!

ولقد أفصحت الشخصيات أثناء الاستجواب عن همومها ومعاناتها؛ مثل البطالة المتفشية في المجتمع اليمني، إذ نجد الكثير من حاملي الشهادات العليا بدون عمل، ومن الممكن أن يظلوا على هذه الحال لسنوات عديدة. كما تحدثت امرأة عن حالة الجوع والحرمان والمرض الذي تعاني منه أسرتها. وهي لا تملك ثمن الغذاء لأطفالها الجياع، لذلك تظل تتابعهم بعين دامعة وهم يفقدون صحتهم، ويموتون جوعا أمام ناظريها واحدا تلو الآخر.

كما ظهرت شخصية "المريض" الذي بدت عليه ملامح الإرهاق والمرض، بعد استجوابه للتعرف على حالته؛ واتضح أن عددًا من أفراد أسرته أصيبوا بالمرض حتى وافتهم المنية. ويندد "الرجل المريض" بتقصير بلاده لعدم تشييد بنية تحتية، مثل إنشاء مستشفيات لعلاج المواطنين. وما حالة الرجل المريض هذا، إلا نموذج لكثير من المجتمع اليمني الذين لا يمتلكون المال الكافي لتلقي العناية الطيبة!

حاولت الأفلام اليمنية الثلاثة تلمس عتمات الواقع اليمني الصعب، باحثة عن قضايا الإنسان بكل شفافية ووضوح، مبتعدة عن الغموض. واستطاعت أن تحول شخوصها إلى رموز ناطقة بقضاياهم. وكان محورها الأول هو الإنسان الذي يقع عليه عبء التحدث عن الأوضاع الحياتية، والتعرّض لتابوهات المجتمع ومحظوراته المتوارثة.

بشكل عام، اختزلت هذه الأفلام راهن اليمن الحالي، حيث انعدام الأمن والأمان، ورافق ذلك تدهور الاقتصاد والتعليم والصحة، وانتشار البطالة بين فئات الشباب. جميع ذلك شكل خلفية سوداء مبهمة، لا تفسير لها ولا حلول! حتى تستقر الأوضاع وتبدأ صورة جديدة لليمن السعيد.. يوما ما.

تعليق عبر الفيس بوك