فاطمة الحارثي
"انصح شبابنا بالاعتماد على أنفسهم والكف عن ملاحقة وزارة القوى العاملة، فالعمل الحر يدر دخلا جيدا أيضا، حتى إن عملوا في بيع الماء".. مطر
هكذا ابتدأ مطر الشاب الجامعي حواره في سؤال عارض عن سبب امتهانه البيع الحر، والتي قد اسميها "تجارة الشارع"، فهو يرى ألا طائلة من الوقوف طويلا أمام وزارة القوى العاملة من أجل راتب شهري في أحسن الأحوال قد يصل إلى متوسط 800 ريال عماني في قطاع خاص مرموق أو أقل منه بقليل في قطاع حكومي. فالوطن لا يحتاج إلى تكدس الأجساد خلف المكاتب بقدر ما يحتاج إلى من يبني بساعديه ويستثمر بفكره لبناء حياته.
مطر شاب لم يضع وقته كثيرا في استجداء وظيفة، وفتح لنفسه عربة لبيع "المشاوي" على قارعة إحدى الطرق، يقول مطر "الحمدلله، العمل ليس عيبا ولا يجب على الشباب التقليل من شأن أي عمل مهما كان فأنا لا أخجل من بيع "المشاوي" لأنه عمل شريف ودخلي الشهري ما بين 2500 إلى 3000 ريال عماني أي لو كنت حظيت بوظيفة مكتبية لاقتضى مني سنوات إلى أن يبلغ راتبي هذا المبلغ".
فهمي.. شاب جامعي آخر يدير محلا للخضروات والفواكه، ولا يجد ضررًا في ذلك بل يفخر أنه استطاع أن ينافس "مهنة الهنود" كما أسماها وأن يكسب ثقة الناس. يرى أنّ انتظار الوظيفة يستهلك من عمر الإنسان في مجهول، وأنّ علينا أن نسعى بمختلف الطرق والمحاولة المستمرة دون الاستهانة بأي عمل أو التأثر بنظرة المجتمع أو الحكم بالظاهر. إنّ السعي هو الهدف والشهادات هي وسيلة لفهم الحياة، وباب الانخراط فيها، وليست هدفا أو مفتاحا للسعادة. فالتعليم الجامعي ليس كافيا فهناك أيضا المهارات والتقنيات التي يكتسبها الإنسان في تجارب الحياة المختلفة ولا يمكن أن تُلقن أو تكتسب في طابور الانتظار.
مطر وفهمي وغيرهم، نماذج عمانية نفخر بها استطاعت أن تتجاوز حاجز الكِبر بخدمة مجتمعنا وأنفسهم، مهن في الظاهر بسيطة غير أنها جوهرية فنحن كمستهليكن لا غنى لنا عن أكل "المشاوي" واستهلاك الخضروات والفواكه والأسماك وغيرها من أساسيات حياتنا اليومية.
نعم معظمنا جامعيون لكن نعلم أنّ الشهادة الجامعية ليست مرادف للعمل المكتبي ولا يجب أن نعتقد ذلك. كم جامعيا دخله من عمل مهني يعادل -إن لم يكن أكثر- راتب مسؤول مكتبي. تعرفت على نماذج جامعية كسائقي سيارات أجرة، شاحنات وعربات بيع الماء، صيد الأسماك، بيع الخضروات، الاحتطاب وبيع الحطب، وغيرها من المهن الشريفة؛ بيد أنّ بعض الشباب قالها بكل صراحة "الفتيات لا يردن زوجا يعمل بائع "مشكاك" أو "صياد سمك" أو بائع عربة وللأسف بعض أولياء الأمور كذلك يملكون هذا الأزمة الرجعية في مهنة تجارة الشارع والبيع الحر. فالمظاهر مهمة "لا أعلم متى أصبحت المظاهر مهمة" لكن هذا ما سمعته من أحد الشباب، فهم يرغبون بشاب يخرج يوميا بحقيبة دبلوماسية في داخلها جهاز الحاسوب ودفتر مواعيد، عند تقديم نفسه يرفع كتفيه ببطاقة مزركشة عليها اسمه بالخط العريض ومنصبه، ويفضل أن يكون مديرا أو مسؤولا في شركة مرموقة، يتقاضى راتبا شهريا يقدر بـ 1000 ريال عماني وما فوق.
تحديات التجارة الحرة ليست بسيطة فرأس المال على قائمة هذه التحديات ناهيك عن التراخيص والرسوم التي يتكبدها الشباب، فاللامركزية في توفير الخدمات عائق ندعو من خلاله الجهات المعنية النظر إلى هذه المسألة بعين الحكمة، لا أحد يُريد أن يخالف قوانين وضعت من أجل الصالح العام لكن "أطلب المستطاع لتطاع" وأيضا الضبطية المعقولة فالشباب ليسوا مؤسسات يملكون أموالا للاستثمار فالغالب منهم إن لم يكن مصدر دخلهم "سند" أو "رفد" يكون قرضا من بنك ما أو جمعية. إنّ التسهيلات حق لهم، وأيضا توجههم ملهم يساهم بشكل كبير على التنوع وسد هجوم ومعضلة البطالة والاتكالية؛ التي هي باب من أبواب الزعزعة الاجتماعية.
إنّ بعض الشباب من أصحاب المشاريع المتوسطة -وهم ليسوا حديث هذا المقال- أيضا دفنوا تحت وطء الإجراءات والتراخيص، فهل من مجيب؟.
رسالة
يعترض في الغالب من هو على دراية وعلم بما تقدم عليه أو تأتى من قول، أو الجاهل الراغب بالاعتراض فقط من باب إبراز صوته وإن كان في غي. يحمل طفلنا حقيبة المدرسة وقد غرست هوية نجهلها مواصفات تلك الحقيبة وثمنها وصرعتها، يحاول البعض سد هجوم الجهل والبعض الآخر يستسلم لهرطقة الفكر المستحدث وكبوة المقارنة الاجتماعية بعذر – معظم الناس كذا-.
شبابنا ينادي، فهل من أيدٍ تنتشله من المجهول؟ أين مراكز الإرشاد بعد التعليم؟ أين الحلول الحكيمة التي عهدناها؟ توسعت وتعددت مراكز الخدمات لكن زادت معها رسوم تحصيل لا تنتهي.