التحرير اللاحق للترجمة الآلية (2-2)

 

 

صالح بن سالم العلوي

- هل ثمة فارق بين المترجم والمترجم المحرر؟

هناك فارق بين المترجم والمترجم المحرر؛ حيث إنَّ "الترجمة والتحرير اللاحق مُهمَّتان لغويتان مختلفتان للغاية؛ حيث تقتضِي الترجمة قراءة المحتوى المصدر، وصياغة الترجمة في ذهن المترجم، والتي قد تتطلب درجة معينة من البحث، ثم كتابتها في النهاية" (1).

"أمَّا التحرير اللاحق للترجمة الآلية، فينطوي على أن يقرأ المترجم النصَّ المصدر بعناية، ويقرأ مخرجات الترجمة الآلية ويقارنها بالنص المصدر لتحديد أي أخطاء وتصحيحها. يتعين على المترجم إيلاء اهتمام وثيق بالنحو وعلامات الترقيم والإملاء، وترتيب الكلمات والأسلوب والكلمات غير المترجمة، وأي أخطاء محتملة في الترجمة الآلية للوصول إلى نص مترجم نهائي" (2).

- الترجمة الآلية والحاجة إليها

يرى الأستاذ مروان البواب عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، في مقدمة دراسة بعنوان "تقييم الترجمة الآلية، تقييم المترجم الآلي «جوجل» نموذجاً"، تزايد أهمية الترجمة الآلية والحاجة إليها مع تعاظم الإنتاج الفكري الإنساني ومع التطور الهائل في وسائل الاتصال التي تنقل المعلومات إلى جميع أرجاء المعمورة. ومعلوم أن هذا الإنتاج الفكري لا يمكن الاستفادة منه على الوجه الأمثل إلا بترجمته من لغاته الأصلية إلى لغات الأقوام الذين سيستفيدون منه. ومعلوم أيضاً أنَّ هذه الترجمة لا يُمكن تحقيقها ولو جندنا لها جيشاً جراراً من المترجمين البشريين؛ وذلك لأنَّ الترجمة البشرية لا تستطيع مواكبة هذا التدفق الهائل والمستمر من الموسوعات والكتب والبحوث والدراسات والمقالات والتقارير والوثائق والمستندات والرسائل والنشرات وقواعد المعطيات" (3).

- مزايا الترجمة الآلية

وتطرَّق الأستاذ مروان البواب كذلك في دراسته إلى مزايا الترجمة الآلية؛ وذكر منها (4):

* أنها تختصر الوقت المخصص للترجمة؛ فالمترجم البشري يترجم في اليوم الواحد نحو من 2000 كلمة، على حين أن المترجم الآلي يترجم في الدقيقة الواحدة ما يزيد على 5000 كلمة.

* أنَّها تقدم ترجمة فورية أو شبه فورية. وهذه المزية مفيدة بوجه خاص في ترجمة النصوص التي يؤدي التأخر في ترجمتها إلى فقدان قيمتها أو الفائدة المرجوة منها، وكذلك في ترجمة كلمات المؤتمرات والمقابلات والأفلام السينمائية والبرامج التليفزيونية.

* أنها تختصرُ الجهدَ المبذول في الترجمة؛ فالمترجم البشري لا يستطيع العمل سوى بضع ساعات في اليوم الواحد، على حين أنَّ المترجم الآلي يعمل ليل نهار، لا يعرف الكلال ولا الملال. وتظهر هذه المزية جلية واضحة في ترجمة آلاف الصفحات من النصوص والملفات والمستندات والتقارير والوثائق والنشرات للشركات المتعددة الجنسيات التي تصدر منتجاتها إلى مختلف دول العالم.

- اقتصاديات الترجمة الآلية

تُشير الإحصائيات إلى أنه "ستصل مبيعات الترجمة إلى 46 مليار دولار أمريكي بنهاية عام 2019، ومن المتوقع أن تصل إلى 56 مليار دولار أمريكي بحلول 2021. وقد أصبح هذا النمو المذهل ممكنا بفضل التقدم الهائل المحرز في ترجمة محتوى الإنترنت، وإلى تطبيق تقنيات جديدة في عملية الترجمة، وخفض التكاليف وتسريع عملية الترجمة. يزداد الطلب على التحرير اللاحق بسرعة كبيرة؛ بحيث من المتوقع أن يصل إلى 980 مليار دولار بحلول العام 2022" (5).

إنَّ المترجم البشري يترجم بمعدل يتراوح بين 4 و8 صفحات يوميًّا، تبعاً لصعوبة النص. أي من 1000 إلى 2000 كلمة في اليوم، أمَّا المترجم الآلي فيترجم هذا القدر في ثوانٍ، ولكن تتطلب من المترجم التدخل لتحريرها. ونجد أن التحرير اللاحق يوفر الوقت ويضاعف من إنتاجية المترجم؛ حيث تشير الدراسات إلى أن ما ينجزه المترجم في يوم يمكن أن ينجزه في ساعتين باستخدام الترجمة الآلية.

"ركزت دراسة حديثة أجرتها طالبة الدكتوراه كلارا جينوفارت من جامعة بومبيو فابرا بإسبانيا أيضاَ على التحرير اللاحق للترجمة الآلية؛ حيث طلبت من كل من رجال الأعمال والمحررين المشاركة في استبيان".. ووجدت الدراسة أن موفري خدمات اللغة والمحررين اللاحقين لاحظوا زيادة في الإنتاجية باستخدام التحرير اللاحق للترجمة الآلية؛ حيث أبلغ المحررون عن مستويات أعلى من الإنتاجية بناء على عدد الكلمات التي تُحرر في الساعة. أبلغت نسبة مماثلة من المجيبين عن أداء قدره 1000 كلمة في الساعة وبين 1000 و3000 كلمة في الساعة باستخدام التحرير اللاحق للترجمة الآلية. عندما يتعلق الأمر بالتحرير اللاحق للترجمة الآلية، يبدو أن 1000 كلمة في الساعة هي المعدل المناسب حتى الآن" (6).

إنَّ هذه النقلة النوعية والتغيُّر غير المتوقع له ما له من التداعيات؛ سواء على صناعة الترجمة عموماً، أو طرق تدريسها والمهارات التي تستلزمها. كما أنَّه في ظلِّ هذه التطورات السريعة والمتواصلة، ثمة تساؤل مشروع: هل تأخذ الآلة مكان المترجم الذي تربع عليه ردحاً طويلاً من الزمن وينقرض المترجمون؟

قد يُنظر إلى الترجمة الآلية على أنها تحد يواجهه المترجمون وصناعة الترجمة عموماً، لكنها في الحقيقة فرصة ذهبية لو أحسن المترجمون استغلالها الاستغلال الأمثل. إنَّ دور المترجم سيشهد نقلة نوعية، وإن شئت قل تاريخية، من مترجم صِرف إلى محرر؛ لما تُفرزه البرامج الآلية من ترجمات لا سيما جوجل وأخواتها.

------------------

1- https://www.translatemedia.com/machine-translation-email/how-to-master-post editing-machine-translation/

2- ibid

3- http://alwatan.sy/archives/186248

4- ibid

5- https://interpreter-dubai.ae/4-translation-industry-trends-in-2019/

6- https://slator.com/features/reader-polls-post-editing-interactive-prediction-translation-devices-and-ma/

تعليق عبر الفيس بوك