القاسم المشترك بين التعمين والتعريب

عبدالله العليان

قد يَكُون هذا الحديث ليس جديداً أو يتم طرحه لأول مرة، عن ضرورة ربط التعمين في القطاعات الأهلية بالتعريب، والحاجة الملحة إليه، فقد ناقشت هذه المسألة منذ عدة سنوات مضت.

لكنَّ الأمر سيظل متجدداً، لطالما بقيت غالبية شركات القطاع الخاص، والكبيرة منها، ثابتة في استعمال اللغات الأجنبية في تعاملاتها الإدارية والفنية، وهذه من العوائق الكبيرة، التي تجعل مسارات التعمين وتطبيقاته في أطر ضعيفة ومحدودة، خصوصا مع المخرجات الكبيرة للشباب العماني المُؤهَّل، وبالتالي لن تتحقق الأهداف التي نُريدها، وهذه مسؤولية الدولة حقيقة، ولا خيار للشركات فيما تريد، من حقها أن تضع القوانين اللازمة لتطبيق هذا الأمر، وأن تفرض نظمها وقوانينها بما تراه جديراً بمصلحة البلد ومواطنيه، وهذا نفسه تحقق بجدارة فائقة في قطاع البنوك، بعدما كنا نرى الوافد هو الذي يدير الوظائف في المصارف، سواء مديري الإدارات، أو حتى الموظفين؛ إذ كان غالبيتهم هم العاملون فيها، لكنَّ القرار الشجاع والرائد بتطبيق التعمين، بعد إنشاء كلية المصارف وغيرها من الكليات، حقَّق للعمانيين الفرص للإحلال، أن يُدِيروا هذه المؤسسات البنكية، سواء كانوا قيادات كبيرة فيها، أو عاملين في الأقسام الأخرى، بل أصبح التعمين 100% في أغلب هذه المؤسسات، كما نلاحظ، مع أن عمل المصارف ليس سهلاً، بل إنه من الوظائف الدقيقة والصعبة من ناحية المخاطر، مع وجود الدقة المطلوبة للتعامل مع الزبائن...إلخ، بعكس غالبية الوظائف في القطاعات الأهلية الأخرى التي بعضها لا يتطلب تلك الدقة في التعامل مع الحسابات ومخاطرها في المصارف. ومع ذلك، حقق هذا التعمين نجاحاً كبيراً.

لذلك -في رأيي- سنبقى في الدائرة غير الفاعلة بين الشد والجذب، مع الكثير من الشركات، خاصة مع وكالات السيارات، والتأمين، في تطبيق التعمين بالجدية المطلوبة، في غياب تعريب المعاملات الإدارية، وقد تحدثت في مقال سابق عن ما يتم في بعض شركات القطاع الخاص، خاصة وكالات السيارات، والتي نرى في ساحة بعض الوكالات -إن لم يكن أغلبها- أن الموظفين العمانيين القليلي العدد، يتواجدون في ساحة المدخل الأمامي، التي تعرض فيها سيارات البيع، لكنَّ الوافدين -القابضين على المهام الأساسية، للإدارات المالية والفنية- يتواجدون داخل المكاتب التي لا نُشاهدها، إلا إذا تمَّ فتح بعض الأبواب!! وهذا الأمر مقصود في رأيي لربما لا يظهر الوافد أمام الأعين، ويكون الموظف العُماني هو البارز للظهور، وهذه معروفة لا تخفى على العارف بمقاصد بعض هذه الشركات، لكن عندما نريد التعرف على معلومات مهمة في الأسعار، أو نشتري سيارة؛ فلا تجد إلا الوافد هو صاحب القرار، وهو الذي يدير المهام، ويعطيك كل التفاصيل، وحتى أسعار التخفيض...وغيرها مما هو مطلب الزائر من هذه الزيارة.

أيضًا ذكرتُ مرة ملاحظة في مقال سابق جديرة بالسرد، في مسألة الأعداد الكبيرة من الوافدين في القطاع الخاص، فقد كنت مارًّا منذ سنوات في الطريق العام إلى منطقة الخويرالسكنية بمسقط بالسيارة، فقال لي الصديق: انظر إلى هذه الأعداد الكبيرة من السيارات الخارجة من الدوام الرسمي من القطاع الخاص، والأغلبية من هؤلاء من الموظفين الوافدين، وفعلاً تشاهد أعدادا كبيرة من غير العمانيين في هذه السيارات الخاصة والنقل العام، والحقيقة أن قضية التعمين، تحتاج إلى وقفة جادة، وإلى تحرُّك من المؤسسات المعنية، خاصة مجلس عُمان بغرفتيه الدولة والشورى؛ لمناقشة التعمين في هذا القطاع.

لذلك؛ أرى أنَّ مسألة فرض التعريب في القطاع الخاص، يجب أن يأخذ الأولوية في هذه المرحلة، التي نحتاج فيها إلى توظيف الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل؛ فهناك نسبة وتناسب بين تطبيق التعمين بالصورة المطلوبة والناجحة، وبين فرض التعريب، بل إنَّ الكثير من المخرجات من شبابنا العماني يملك من القدرات الجيدة، حتى في الوظائف التي ربما تتطلب لغة أجنبية، والمثال الذي سقناه عن التعمين، أن الوظائف في البنوك تتعامل باللغة الأجنبية، ونجح التعمين في هذه المؤسسات نجاحا كبيراً أيضاً؛ فليست هناك أعذار للتهرُّب من المسؤولية الوطنية لتطبيق التعمين في هذا القطاع، وعلى الجهات المسؤولة ألا تُجامل في القضايا الوطنية، ونحن نُدرك أنَّ الكثيرَ من الشركات الكبيرة، التي يملكها عِليَة القوم! وبما أنَّ الوطن قد أعطى الكثير من المزايا والحوافز والدعم والإعفاءات، حتى نجحت هذه الشركات الكبيرة وأصبحت كما نعرف جميعاً علامة بارزة لكل متابع، فإن "عليها دَيْن"، وهذا الدَّين يجب أن تقدمه لهذا الوطن وقيادته، بأن يتاح للتعمين أن يأخذ طريقه بقوة وبكل يُسر؛ باعتباره مطلباً وطنيًّا، ومن الضروري السعي لإنجاحه، ولا مجال للتأخير أو المماطلة، ونحن نقترب من مرور خمسين عاماً على انطلاق نهضتنا المباركة، فالمخرجات الوطنية من الجامعات والكليات المتخصصة، أصبحت بعشرات آلاف، وهذه الكفاءات لابد لها تأخذ طريقها للاستقرار بوظيفة في وطنها.. وهذا ما نتوقع تطبيقه وأن يتم الالتزام به.