"فايننشال تايمز": دونالد ترامب وبوريس جونسون وجهان للشعبوية الاستبدادية

...
...
...

مقال بقلم جدعون راشمان

كبير المعلقين للشؤون الخارجية بصحيفة فايننشال تايمز البريطانية

 

ترجمة- رنا عبدالحكيم

 

"بأي وسيلة ضرورية".. شعار واقعي يصف نهج رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تجاه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، والعبارة ذاتها تنطبق على نهج دونالد ترامب الساعي لإعادة انتخابه في 2020.

وأصبحت عواقب هذا الموقف على الحكومة البريطانية واضحة الأسبوع الماضي، مع اندلاع أزمات سيادة القانون على جانبي المحيط الأطلسي (بريطانيا وأمريكا). ففي المملكة المتحدة، قضت المحكمة العليا بأن جونسون تصرف بشكل غير قانوني عندما قرر تعليق البرلمان. وفي نفس اليوم، بدأ التحقيق في قضية عزل الرئيس الأمريكي، مدفوعًا بادعاء المبلغين عنه أنه ضغط على حكومة أوكرانيا لإيقاع خصومه السياسيين في حفرة قذرة.

وهذه الأزمات المتزامنة هي أكثر من مجرد صدفة، إنها دلالات على أن القوانين والاتفاقيات التي ترتكز عليها الديمقراطية الليبرالية تتعرض للاعتداء في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهما دولتان لطالما اعتبرا نفسيهما قدوة ديمقراطية للعالم. في الأوقات العادية، كانت الحكومة البريطانية أو الأمريكية سترد على الضربات القانونية التي تم توجيهها إليها الأسبوع الماضي بحذر وضبط نفس، وحتى الرفض. لكن تلك الأيام قد خلت، وبدلاً من ذلك، فإن معسكري ترامب وجونسون يقنعان مؤيديهما للاعتقاد بأن مشاكلهم القانونية هي عمل انتقامي من قبل أعداء سياسيين يعتزمون إحباط إرادة الشعب.

فقد أبدى جونسون قبولا لقرار المحكمة، لكنه ادعى أن القضاة الإحدى عشر كانوا مخطئين، وبالتوازي كان التشكيك في استقلال القضاة جزءًا من خطاب ترامب. وفي انتخابات عام 2016، اتهم ترامب قاض أمريكي من أصول مكسيكية بأنه متحيز ضده بسبب موقفه من الهجرة.

ويجري ازدراء حكم القانون برفع شعار "بأي وسيلة ضرورية"، ففي المملكة المتحدة تبنى دومينيك كامينغز مستشار جونسون هذا الشعار. وبمجرد التأكيد على أن الغاية تبرر الوسيلة، فإن أي تكتيك مسموح به يعد أمرا منطقياً. ويُقال إن عبارة "أمر ضروري بأي حال من الأحوال" كان شعارًا تم تبنيه في الأصل من قبل مالكولم إكس، الناشط الأمريكي من أصول إفريقية في الستينيات من القرن الماضي، وكان محبطًا بسبب الأساليب غير العنيفة لحركة الحقوق المدنية. وكان التهديد الضمني للعنف بالفعل جزء من نهج ترامب وجونسون. وبعد أن اشتكى أعضاء البرلمان الأسبوع الماضي من أن لغة رئيس الوزراء البريطاني تشجع على شن هجمات على السياسيين، كان رد كامينغز هو أنه من غير المفاجئ أن الناس غاضبون وأن أفضل طريقة لتهدئة غضبهم الصالح تتمثل في إنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت.

فيما قال ترامب إن الذي بلغ عن المخالفات في قضية أوكرانيا "جاسوس تقريبًا"، واقترح التعامل معه على أنه "في الأيام الخوالي، عندما كنا أذكياء"، في تلميح بالمطالبة بإعدامه. وقبل انتخابه، شجع ترامب الحشود في مؤتمراته الانتخابية على إثارة المتظاهرين.

وتستند الحجج السياسية التي قدمها جونسون وترامب على لغة الديمقراطية، لكن المنطق الأساسي يشترك بشكل أكبر مع الاستبداد الشعبوي. فبالنسبة لجونسون، فإن نجاح استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لعام 2016 يتفوق على جميع القيود الأخرى التي تعمل في مجتمع ديمقراطي، بما في ذلك القانون وإرادة البرلمان وممثليه المنتخبين.

ولدى ترامب قدر أقل من الاهتمام بفكرة أن الديمقراطية تأتي مع الضوابط والتوازنات، فهو يتغذى على شعوره بنفسه بأنه "منبر الشعب" بطريقة نرجسية؛ حيث قال ذات مرة إنه يستطيع إطلاق النار على شخص ما في أحد ميادين نيويورك، دون أن يخسر الأصوات.

وعندما يطالب زعماء مثل جونسون وترامب بتفويض مباشر من الشعب، يمكن عندئذٍ معاملة المؤسسات الأخرى في مجتمع ديمقراطي بازدراء، بل وحتى التهديد باستخدام الانتقام العنيف بأيدي الأفراد. لقد كانت أمريكا تسير على هذا الطريق الشعبوي السلطوي منذ دخول ترامب السياسة. لكن بريطانيا تأخرت لبعض الوقت، تحت القيادة الأكثر تقليدية والشرفية لتريزا ماي. لكن جونسون عديم الضمير قام الآن باستيراد السياسة الترامبية إلى المملكة المتحدة.

وأظهرت قرارات المحكمة العليا في المملكة المتحدة ومجلس النواب الأمريكي الأسبوع الماضي، أن القانون في بريطانيا وأمريكا، لا يزال يمثل قيدًا هائلاً على الزعماء ذوي الغرائز الاستبدادية. لكن هذه مجرد مرحلة واحدة في المعركة، إذ تتمثل استراتيجية جونسون وكامينغز في إجراء انتخابات ثم محاربتها على بطاقة "أشخاص ضد المؤسسة". وسيقوم ترامب بشن حملة مماثلة في عام 2020.

وفي مواجهة المعارضين السياسيين المنقسمين والراديكاليين، يمكن أن تنتصر استراتيجية ترامب وجونسون. ويجب أن تكون هذه الإستراتيجية واضحة الآن للعيان، وتتضمن ازدراء حكم القانون وسحق المؤسسات الوطنية وتأجيج مناخ العنف وتوسيع الانقسامات المريرة عمداً داخل البلاد.

وحتى وقت قريب، كانت بريطانيا وأمريكا بمثابة مصدر إلهام حقيقي لليبراليين حول العالم، مع عرض الشكل الذي ينبغي أن يكون عليه النظام الديمقراطي المرتكز على القانون. لكن تدهور الديمقراطية الليبرالية في معاقلها الأنجلو أمريكية سيكون له للأسف تأثير عالمي.

تعليق عبر الفيس بوك