يوسف عوض العازمي **
"إن ما نبحث عنه في الأدب ليس هو الواقع تمامًا، وإنما هو الاحتفاء بإظهار الحقيقة".. آذار نفيسي.
كتبت أكثر من مرة أن بعضا" من الروايات الأدبية هي في الواقع سير ذاتية بطنت وتذرت بأدب الرواية، الأمثلة المستقصدة من هذا الاستنتاج كثيرة وبعضها لأسماء شهيرة، وبينت أيضًا" أن هناك قصدا واضحا وهو البعد عن الإحراج المجتمعي، والقفز فوق مواد قانونية ذات صلة، فما هو مكتوب ومنشور رواية أدبية، لكنها في إستنتاجات الكثيرين "سيرة ذاتية" !
هناك من يربط بين التخييل وإشكالية (الصدق / الكذب) والأكيد أن التخييل أو التخيل أقرب إلى الكذب، لكنه كذب ذا حالة معلنة بصورة رواية أو قصة وما شابه، لأن الصدق هو حدث واقع ومعلوم، لكني قد أذهب إلى ربط التخييل بأحلام اليقظة، أو بمخططات أو هواجس نفسية، كهاجس يذهب بصاحبه إلى أبعد مكان، ويخطط وينظم مشاهد قصصية أو روائية ذات صبغة معينة..
قبل مدة ليست بالقصيرة أثناء حوار دار بيني وبين أحد الذين واكبوا إحدى الأحداث التاريخية، نصحته بأن يدون ماحدث معه وما واجهه في كتاب ليكون وثيقة تاريخية، لكنه استبعد الفكرة تماماً"، لماذا (سألته) ؟ قال بما أن الحدث سأكتبه وأدون مشاهداتي وما لاحظت في كتاب فإنها حالة تقتضي الصدق في القول والنزاهة بلا مجاملة والأمانة في النقل، والإنصاف في التحليل، وفي وضعنا الحالي لايمكن الارتقاء إلى هذه المبادئ الرصينة، بسبب إحراجات وممتنعات اجتماعية، إضافة لاحتمالات الدخول في تجاوز قانوني ربما يتم الوقوع به حتى ولو بلا مقصود جنائي، قلت له: إذن ما الحل؟ هل ستبقى شهادتك المهمة صامتة إلى الأبد؟
قال: بالطبع لا، لكني أفكر بعمل روائي ينقل الأحداث كما حدثت وحصلت ولكن بأسماء وهمية ومستعارة للأماكن والشخصيات كي لا أحرج أحدا" وينتهي أيضا" موضوع القيد القانوني، لأن ماسينشر هو رواية أدبية خالصة خيالية في ظاهرها، والقانون لا علاقة له بالنوايا بل بالمادة كذا والبند كذا (انتهى كلامة) ..
بغض النظر عن الرأي (مع / ضد) لكني وجدت أن الرواية التخيلية في ظاهرها، والواقعية في باطنها، هي ملاذ لمن أراد أن يؤرخ مرحلة معينة أيا" كانت، هروبا" عن إحراجات المجتمع، واتقاءً" من مواد القانون، وفي رأيي أن في ذلك فتحا جديدا في علاقة التاريخ بالأدب الروائي، وأقصد هنا السير الذاتية، ففي مجتمع يخشى العرف أكثر من الدين، والعيب أكثر من القانون، قد تتوقع فيه ما لا يتوقع، حيث يتم التلاعب بالتاريخ وتدوينه بشكل غير مباشر، وكتابته كرواية، وليس كتاريخ !
التخييل في الكتابة الروائية، واستيعاب الفانتازيا الذاتية وملامح الذات في الكتابة، وعلاقة الأدب مع تاريخ الأحداث هي مباحثات قد تكون حديث الساعة في وقت قادم، والسبب عدم القدرة على التأريخ الحقيقي لأسباب ذكرتها وأسباب أخرى.
alzmi1969@
** كاتب كويتي