التحرير اللاحق للترجمة الآلية

صالح بن سالم العلوي**

 

شهدت صناعة الترجمة تطورات مُتلاحقة خلال السنوات القليلة المنصرمة لاسيما في مجال الترجمة الآلية والذكاء الاصطناعي وذواكر الترجمة وأدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب. ومن الطبيعي أن يتواكب المترجم مع هذا التطور المتسارع ويعرف كيف يمكنه الاستفادة القصوى من هذه التكنولوجيا المتاحة ويُعيد بري قلمه وإلا سيفوته القطار، ولات ساعة مندم.

ويرى مايكل كرونين مؤلف كتاب الترجمة في العصر الرقمي أن "الترجمة تعيش فترة من الاضطرابات الثورية، كما أن آثار التكنولوجيا الرقمية والإنترنت على الترجمة مستمرة وواسعة الانتشار وعميقة، يُنصح الطلاب والعلماء وأي شخص مهتم بمستقبل الثقافات واللغات الإنسانية بمراقبة ما يحدث للترجمة في العصر الرقمي بعناية".

 

وهناك علاقة طردية بين الحاجة الملحة اليوم إلى التواصل بين بني البشر والترجمة "في عالم متزايد العولمة، أدت الحاجة إلى التواصل بفعالية والتغلب على الحواجز اللغوية إلى نمو كبير في الطلب الدولي على الترجمة. كما أدى التطور السريع للتكنولوجيا وتعميم أنظمة الترجمة الآلية إلى إعادة تعريف الصناعة وإيجاد طريقة جديدة تماماً للتفكير في دور المترجمين. هل يمكن لأدوات الترجمة الآلية أن تلغي في النهاية الحاجة إلى المترجمين البشريين؟

ففي عالم الاقتصاد "نتيجة للعولمة، أصبح العمل مع الشركاء الدوليين والعملاء أكثر أهمية من أي وقت مضى للشركات. على الرغم من أن اللغة الإنجليزية منتشرة على نطاق واسع، إلا أن العديد من الأفراد الذين لا تمثل لغتهم الأولى يفضلون القراءة عن المنتجات والخدمات أو العمل بلغتهم الأم. وجدت دراسة من Common Sense الاستشارية بناءً على دراسة استقصائية لـ 3000 مستهلك عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم أن 75٪ منهم يفضلون شراء منتجات بلغتهم الأم. لذلك تعد الترجمة مهمة جدًا لأي شركة ترغب في التوسع عالميًا".

 

أما في عالم السياسة "من الضروري للسياسيين التواصل بفعالية مع نظرائهم في جميع أنحاء العالم. إن التأثير الذي تمارسه الجماعات أو المؤسسات السياسية لتشكيل الرأي العام وكسب الدعم هو في الأساس نتيجة لاستخدام اللغة. في مجتمعات اليوم متعددة الثقافات واللغات، يمكن تحقيق التفاعل مع الناس من خلال ترجمة عالية الجودة".

 "انقضى عهد الحديث عن التكنولوجيا الرقمية في الترجمة باعتبارها مجرد أداة مساعدة بعدما أحدثت الثورة الرقمية تحولاً كبيراً في عالم نظرية الترجمة وتطبيقاتها. فبفضل أدوات ذاكرة الترجمة، مروراً بقواعد البيانات والمتون اللغوية الإلكترونية، ووصولاً إلى الترجمة الآلية ومنصات العمل السحابية، أضحى للتكنولوجيا دور محوري في إنجاز الترجمة بكفاءة أعلى وفي وقت أقل، فضلاً عن أثرها في تغيير أدوار المترجمين أنفسهم وما يمتلكونه من مهارات وقدرات. وبعيدًا عن دور التكنولوجيا في تعزيز كفاءة المترجم وتيسير عمله، باتت التقنيات الجديدة تحدث تأثيرًا عميقًا في جوهر طبيعة تخصصنا".

 

"وها نحن اليوم نشهد تحولاً من النموذج التقليدي القائم على ثنائية الوكالة والعميل إلى نظام جديد يقوم على بناء شبكة عالمية واسعة من مترجمين وعملاء لا تربطهم صلات وثيقة ولا يرى بعضهم بعضاً، حيث يكون الحد الفاصل بين الترجمة الاحترافية وغير الاحترافية مشوباً بعدم الوضوح في كثير من الأحيان. فأنماط الترجمة الجديدة، مثل سترجة الهواة ودبلجة الهواة وإسناد الترجمة لمجموعات كبيرة، أصبحت تفرض تحديًا أمام الهيكل التقليدي لسوق الترجمة. كما أن المترجمين (المحترفين وغيرهم) يستخدمون أدوات الترجمة والتعاون الجديدة من أجل التواصل مع نظرائهم متجاوزين بذلك الحدود الجغرافية، فضلاً عن أن الترجمة فرضت نفسها فاعلاً أساسيًا في ميدان القضايا السياسة والاجتماعية على مستوى غير مسبوق".

 

"ومن هذا المنطلق، نؤمن أن هذه التطورات تتطلب البحث عن سبل جديدة لتناول نظريات الترجمة وتطبيقاتها من حيث طرائق التدريس وأساليب التدريب وأدوات الترجمة واستراتيجياتها، وكذلك الأبعاد الثقافية والاجتماعية السياسية التي تكتنف الترجمة".

 

ترجمة جوجل

لا تكاد تذكر الترجمة الآلية إلا ويتبادر إلى الأذهان "ترجمة جوجل"، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 143 مليار كلمة تترجم يوميا باستخدام " Google Translate"، الذي يدعم أكثر من 100 لغة ويستخدمه أكثر من 500 مليون شخص.

 

"كانت خدمة" ترجمة جوجل" تستخدم "الترجمة الآلية الإحصائية" التي تترجم كل كلمة بمفردها ولكن قبل ست سنوات بدأت تستخدم تقنية "الترجمة الآلية العصبية"، التي تترجم كامل الجُمل في وقت واحد، بدلاً من ترجمتها كلمةً كلمة، ما يعني إعادة ترتيب الكلمات وضبطها مع قواعد لغوية صحيحة. ويُطلق فريق الذكاء الاصطناعي في جوجل على هذه التقنية اسم "نظام جوجل للترجمة الآلية العصبية" أو  "GNMT ".

 

وتمتاز "الترجمة الآلية العصبية" بأنها تتعلم مع مرور الوقت لإنشاء ترجمات أفضل وأقرب إلى الطبيعة، مقارنة بـ "الترجمة الآلية الإحصائية" التي تستخدمها خدمة "ترجمة جوجل" منذ إطلاقها قبل نحو 13 سنوات

فعلاً، ترجمة جوجل أصبحت أدق وأجود تصل أحياناً إلى 80% وما على المترجم سوى إكمال الباقي أو تصحيح الأخطاء النحوية أو الأسلوبية أو الدلالية.

** مترجم

تعليق عبر الفيس بوك