وفــــــاء

 

محمود بكو | ألمانيا – مدير مجلة كلمات ليست كالكلمات

 

في الأمس القريب أثناء ركوبي الباص كان هناك مقعد مزدوج شاغر

ولأني أفضل الجلوس بجانب نافذة الأشياء أخذت مكاني بخيال نصف عشوائي بتُ أحصي بعض التفاصيل وأشياء غير مرتبة على مساحة طريقي المكرر

في المحطة التالية ركبت امرأة رأيتها بوضوح كانت قد خبأت سنين كثيرة أسفل جلدها المكور

بثياب مرتبة وحلقات حول أُذنها وانفها، وشفتيها، حدقت بي لعدة ثوانٍ

(هذه الحركة أحيانا تدل على أن أحدهم يود الجلوس بمكانك)؛ لكن كان هناك مقعد خالٍ بجانبي واستمرت الحركة لبعض ثوانِ أخرى، هنا الحيرة نثرت نفسها لبرهة غير باهتة

قلت لها: أتودين الجلوس بجانب النافذة؟

قالت: نعم ولكن لوحدي

منحتها المقعد والمقعد الذي بجانبها أيضاً كان خالياً

قلت لنفسي: (أعتقد بأنها نازية ولا تحب اللاجئيين؛ كون قسم منا أصبح عبئا عليهم)

في الطرف المقابل كان هناك كهل بملامحه المتعبة حدَّق بها مطولاً،

 السؤال كان يعج في فمه، فالقراءة كانت واضحة من حركة شفاهه وطبقات الهواء التي تخرج من كتل زفيره،

تمالك نفسه لبعض ثوانٍ طويلة ثم قال: لوحدك؟

قالت : نعم لوحدي ... لكن سأجيبك لما؟

أنا وزوجي الذي الآن يعاني من خرف حاد كنا نقف سوية أو نجلس سوية

لذا حتى لو كنت لوحدي أفضل أن أُبقي له مكاناً بجانبي !!! لوحدي تماماً

هنا صمتنا جميعاً في تيارٍ ضيق

توجهت مسرعاً إلى جيوبي الفارغة باحثاً عن هاتفي

كي أكتب هذه التفاصيل بدقتها

رغم الصدمة التي غرقت بها إلى أنني أنهيت كتابة المشهد

حيث سقطت بعض الأجزاء منه كوني لا أتقن فهم اللغة الألمانية جيداً

هنا ابتسمت وتعملت بضع أشياء ببرهة حائرة

لكني نسيت النزول في المحطة التي كانت تقودني إلى وجهتي الناقصة.

تعليق عبر الفيس بوك