عبيدلي العبيدلي
تنتشرُ في وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام مجموعة من مقاطع الفيديو، التي تكادُ تجمع في رسالتها على "النيل" من كفاءة وأداء نائب البرلمان البحريني. تبث نثل تلك المواد المتداولة، بشكل مباشر أو غير مباشر ما يلمح إلى "عدم كفاءة النائب البحريني"، مقارنة مع نُظرائه في بعض البلدان العربية الأخرى. وترسل تلك المواد رسالة أخرى مُبطَّنة فيها إشارة، تكاد تكون واضحة، إلى عدم جدوى البرلمان البحريني. يتم تداول تلك المواد في وقت يقترب فيه موعد انعقاد الفصل الجديد للبرلمان البحريني. وكما نشهد في مثل هذه الأوقات، ومع ذلك الاقتراب، يرتفع أصوات المتجادلين بشأن الموقف من ذلك البرلمان، الذين يمكن تصنيفهم، وفق مواقفهم من البرلمان البحريني إلى ثلاث فئات؛ هي: مؤيد، وشاجب، ولا مبالي. ويشتد أوار الحوار، لكن يبقى الغالب عليه، والمسيطر على نسبة عالية منه، هو ذلك الاتجاه المروج لعدم جدوى البرلمان، الذي أصبح -حسب طروحات أصحاب هذا الرأي- عديم الفائدة، وغيابه أجدى من استمراره. يذكرني هذا الحوار، وعلى وجه الخصوص منه ذلك الصوت الداعي إلى وضع نهاية للبرلمان البحرين، ووأده وهو لا يزال وليدا في المهد، بحملة نجاشي الحبشة على البيت الحرام، أيام كانت قريش مسؤولة عن سقاية رواده. يطول سرد القصة؛ لذلك سأكتفي بالجزء الذي يصل إلى قول عبد المطلب للنجاشي: "نهبت أبلي فمرهم بردها علي، أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه". والمقصود بالبيت هو الكعبة الشريفة.
والسبب الكامن وراء حملة أبرهة، هو ما حل بالكنيسة التي بناها أبرهة لجذب أنظار حجاج مكة نحو تلك الكنيسة التي أحرقت، فأثار ذلك غضب النجاشي، وسير جيشا قاده بنفسه، وتوجه به نحو الكعبة لهدمها. لم يتورع أبرهة عن نهب مكة وأهلها عندما شارف جيشه على مكة. ومن بين ما نهب كانت مائتا بعير لعبد المطلب. غضب أبرهة وقرر أن يهدم الكعبة هدماً كاملاً، للانتقام، ولتوجيه أنظار العرب إلى المعبد الجديد. لم يتحقق ذلك بفضل ما حل بجيش إبرهة، الذي الحقت به هزيمة نكراء، واضطر إلى التراجع عن استكمال حملته.
تحضرني كلمات عبد المطلب، كون البرلمان البحريني قد وصلت حالته إلى حاجة ماسة لمن يحميه ويدافع عنه من السهام المصوبة نحو نحره، علما بأننا قبل المضي قدما في تناول هذه المسألة نود التأكيد على أن أداء البرلمان، لم يستطع حتى يومنا هذا ملئ مساحة الهوامش الضيقة المتاحة للنائب البحريني التحرك في نطاقها. لكن تلك الملاحظة النقدية للبرلمان لا ينبغي أن تفضي إلى ما جاء في دعوات المتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تصنف على النحو التالي:
المؤيد المطلق، والمدافع بلا حدود، وهي نسبة ضئيلة، لا يتجاوز عدد أفرادها عدد أصابع اليدين. هذه الفئة، تبذل قصارى جهودها كي تتمكن من تجاوز، دون مبرر أو حتى برهان، ذلك القصور الموضوعي الذي لا ينكر أحد أن البرلمان يعيشه. ومن الضرورة بمكان التشديد على صفة "الموضوعي"، كون الأداء غير مرتبط بفرد معين او مجموعة من الأفراد. فمما لا شك فيه أن هناك قصور يعاني منه البرلمان البحريني الحالي، لا ينبغي الدفاع عنه، وهو بحاجة إلى وقفة نقدية إيجابية، لا يتستر وراءها هدف مبطن ينقسم بين رغبة شديدة، وملحة، في النيل الشخصي من بعض النواب من جانب، والطعن في الحاجة للبرلمان أصلا من جانب آخر.
الشاجب المطلق، وهو الآخر الذي رفغ سقف التجريح حتى وصل إلى المطالبة بحل البرلمان الذي لم يعد هناك مبرر لاستمراره في أداء واجباته، التي أصبحت، كما يروج أفراد هذه الفئة "لا تجد من يقوم بها". هذه الفئة، مدفوعة بأسباب متباينة، لا تجد أمامها من سبيل لمعالجة وضع البرلمان، سوى نحره، دون الالتفات نحو التداعيات السلبية التي ستتركها ورائها نتائج مثل الدعوات، فيما لو تحققت.
اللامبالي، وهي الفئة التي لا ترى أن واقع البرلمان، و"تراجع مستوى أدائه"، كما تروج هذه الفئة لم يعد "يستحق منها حتى مجرد التفكير في مصيره". وأن هناك في المجتمع البحرين، ما يستحق أن ينال قسطا أوفر من مجهوداتها.
ومن الناحية السياسية المحضة، لا يعود أي موقف من تلك المواقف الثلاثة على المجتمع البحريني بالنفع، ولا يقود إلى ما يصبو إليه المواطن البحريني المسؤول الباحث عن حل برغامتي، قابل للتنفيذ، وينتشل البرلمان من واقعه الحالي، إلى آخر يليق بالتجربة السياسية البحرينية. هذا الموقف الذي يستند إلى خلفية أساسية وهي حاجة البحرين إلى برلمان منتخب، يمارس صلاحياته وفقا لموازين القوى القائمة، دون ان يكون أسيرا لها بشكل مطلق.
وهذا يضع البرلمان البحريني في أمس الحاجة، تماما كما كانت عليه حال عبد المطلب عندما هاجم جيش أبرهة مكة المكرمة، إلى رب يحميه. أو بالأحرى إلى يد تنتشله مما هو فيه اليوم.
هذه الحماية أن أريد لها أن تكون، منطقية، ومجدية، وقابلة للتنفيذ أن تنطلق من فرضية مركزية أساسها، أن أداء أي برلمان، في أي مجتمع، ليس محصلة رغبات أفراد معينين، قوة سياسية منفردة، أنه بخلاف ذلك نتيجة منطقية لموازين القوى الفاعلة في مجتمع معين، وهي التي قف وراء الفة التي تسير أداء ذلك المجتمع. ومن ثم فارتفاع، أو حتى هبوط، مستوى أداء أي شكل من أشكال مكونات العمل السياسي في ذلك المجتمع، رهن بتلك الموازين التي تفرزها تلك القوى، خارجية تلك القوى أم محلية.
مثل هذا المنطق هو الحكم عند تقويم التجربة السياسية البحرينية، بما في ذلك أداء كل فرد من أفراد فرق العمل السياسي الفاعلة فيها.
هذا يقودنا نحو نهاية واحدة، وهي أن استمرار البرلمان، مهما بلغت مثالبه، هو رافعة تاريخية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، خاصة في هذه المرحلة من تطور البلاد السياسي. ومن ثم، ولكي تواصل هذه التجربة سيرها على الطريق الصحيحة، ونحو الأهداف المطلوبة، بحاجة، تماما كما كان عبدالمطلب، إلى من يحميها، ويدافع عنها، كي لا تعود البحرين، بغض النظر عن نوايا الشاجبين او اللامباليين، نحو الوراء.