عندما تصبح مهرجانات السينما العربية سوقا سوداء

 

هيثم سليمان

 

أن تجلس في دوامة الواقع، أن تنتزع نصا من رحم الفكرة وتكتبه سيناريو، أن تحمل الكاميرا وتقول ها أنا ذا صانع فيلم في طريقي لعمل حراك ما في هذه الحياة، حياة الفن. جملة من المشاعر والأفكار المترابطة التي تتمنى في نهاية المطاف أن تتوجها باحتفاء يليق بما صنعت وتغذي المجتمع بفكرة قد تسهم في تغيير ما للأفضل. وحينما يأتي ذلك الاحتفاء من الملزم أن يكون مستحقا لاسيما وسط المنافسة الحامية، المتقاربة إن صح التعبير طالما أن السينما في الإقليم الواحد تتشابه وتتناسخ بعدة طرق. هل نتحدث بالعام هنا، لنتجه إلى الخاص بعد هذه التوطئة ولنسقطها مباشرة على أحد العوالم المظلمة في مشوار السينما العربية – لا نتحدث بالمجاملات هنا – حيث يغدو ذلك العالم خنجرا في خاصرة العدالة والإنصاف والاحترافية في مشوارنا السينمائي كعرب.

 

سوق المهرجانات السينمائية السوداء، وما أدراك ما هذه السوق، تشترى فيها الضمائر والذمم، تطرح الأفلام على ساحة التداول في بورصة المنصب والخبرة عدة أشياء أُخرى تحت الطاولة بعدما تفشت رائحتها أعلى الطاولة. أصبح اليوم – وبمنتهى الأسف – هنالك مُحكمون سينمائيون يرضون بسقط المتاع أو يرضخون للضغط الأحادي الجانب لتتويج فيلم (ضعيف) على حساب فيلم (جيد) حتى وإن كان الفرق بين الفلم الأول والثاني هو الطريق بين الثرى والثريا، ناهيك عن لعبة المصالح الغامضة والأهداف المغرضة التي تشمئز منها قريحة أي فنان حقيقي. وبما أنَّ هذه السوق لها صبغة عالمية كما هو متعارف فالوطن العربي ليس ببعيد عن ساحات تجارتها بل ومن تجربة شخصية وقعت لي في أحد المهرجانات المعروفة، بت أوقن تمامًا بأن هذه السوق متفشية.

دعونا نطرح هذه الأسئلة وأترك لكم التخمين والإجابة، ما معنى أن تكون صانع فيلم ويردك اتصال من المهرجان الفلاني (ضعيفا كان أم قويا) ويتم إبلاغك بفوزك بجائزة فيه في وقت يعي جميع من حولك أن فيلمك لا يرقى لتلك الجائزة وفي خضم وجود أعمال منافسة أكثر تميزا ؟ ما معنى أن تذهب إلى مهرجان ما وفي جيبك مجموعة من الأفلام يتم الزج بها في قائمة الأفلام الفائزة كرها وغيا – يا باشا عندي كم فيلم ممكن تظبطنا الله يخليك -؟ ما معنى أن يكون ابن عمك أو أستاذك القديم أو ممثلة اشتغلت معها في عمل سينمائي ما أو صاحب المنصب الفني الفلاني أو رئيس المهرجان السينمائي الفلاني يجلسون على طاولة التحكيم وهم أقرب إليك وإلى فوزك من حبل الوريد؟ هل صانع الأفلام الحقيقي (العماني مثلا) هو من يسلك فلمه طريقاً إلى المنصة بكلمة من فلان أم هو من يسلك فلمه نفس الطريق بجودته واشتغاله وأحقيته؟ ما هي جدوى العلاقات الموغلة في (الشللية) حين تقييم الأفلام وتكريمها والاحتفاء بها في منصات الإعلام المختلفة؟ هل جيل الشباب لدينا بحاجة إلى فقاعات من الوهم في مسيرة احترافهم لصناعة الأفلام أم هم بحاجة إلى العدالة والإنصاف في التقييم والتكريم؟ ولماذا تنغمس بعض الصحف والمجلات الفنية في الترويج المدفوع (أو ذو طابع العلاقة والمنفعة) لأفلام هشة ضعيفة وتفخيمها ونفخها أم أن المسؤولية المهنية في عالم الصحافة العربية أضحت سوقاً سوداء هي الأخرى لكل من هب ودب ولكل متردية ونطيحة؟ أسئلة يجب أن نقف عندها كما يجب أن يقف عندها كل صانع أفلام عربي يُثمن قيمة الفيلم الذي عمل عليه ويعي تماماً أن الفوز بالواسطة والاسم ما هو إلا فضيحة وعار.

 

تعليق عبر الفيس بوك