عبيدلي العبيدلي
بوعي أو بدون، أصبَح إنسانُ القرن الواحد والعشرين يتعامل بتفاوت -يختلف من مجتمع لآخر، ومن شخص في المجتمع ذاته لآخر- بما يتناسب وقدرات ذلك الفرد في التعامل مع الآلة التي تستخدم محركًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي (AI)، سَواء في تعامُل هذه الآلة مع أخرى، أو مع الإنسان حين يضع نفسه في مكان تلك الأخيرة. والجديد في ولوج الذكاء الاصطناعي، أو بالأحرى أجهزته التي تستخدمه، أو الخدمات التي تتوافر من خلاله للمجتمع البشري ذي العلاقة به، أصبح ولوجا قسريا، لا ينتظر موافقة أحد، يتجاوز الانتماء الاجتماعي؛ حيث نجد بعض أجهزة الهاتف الذكي (Smart Phone) باهظة الثمن بين يدي أفراد ينتمون لفئات اجتماعية "أدنى"، من أولئك الذين هم في أعلى من ناحية المستوى الاجتماعي، لكنهم غير قادرين، أو حتى راغبين في استخدام تلك الآلة الذكية، لأسباب ترتبط بمستوى التطور الاجتماعي، أو خضوعا لخلفيات اجتماعية معينة، تفرض قيما تمنعهم من استخدام تلك الأجهزة الغاية في الذكاء.
ورغم توهُّم البعض بأنَّ هناك مفهوما محددا، غير مختلف عليه، لمصطلح الذكاء الاصطناعي، لا بد من الإشارة إلى أن هناك بعض الاختلافات التي قد تبدو طفيفة وليست ذات بال، لكنها تكشف في مضمونها شيئا من عدم الاتفاق. ففيما يعرفه "كبار الباحثين الذكاء الاصطناعي اليوم بأنه دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها"، (نجد أن جون مكارثي -الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955- يعتبر الذكاء لاصطناعي (علم وهندسة صنع آلات ذكية) فحسب.
وتمامًا كما نلمس بعض الاختلافات عند تحديد مفهوم الذكاء الاصطناعي أو تعريفه، نجد مواقف متباينة من نتائجه، ومستوى استخدامه، لدى أكبر العلماء بين مؤيد لتطويره، ومحذِّر من نتائجه من أمثال الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينج، الذي يعتبره البعض، كما تنقل عنهم وكالة الأنباء (رويترز) "من أشهر المحذرين من مخاطر الذكاء الاصطناعي وقدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيا ". ففي ديسمبر 2014 أشار عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج "إلى أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لفناء الجنس البشري، محذرا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيا".
وقد يستغرب البعض أنَّ هناك من هُم ضالعين في تطوير محركات وأجهزة الذكاء الاصطناعي من أمثال المؤسس والرئيس السابق لشركة مايكروسوفت بيل غيتس الذي لا يستنكف من إبداء "رغبته في بقاء الروبوتات غبية إلى حد ما، حين قال أنا في معسكر من يشعر بالقلق إزاء الذكاء الخارق".
وقبله، وتحديدا في أكتوبر 2015 نكتشف أن المخترع والمستثمر الأميركي إلون موسك، يصف الذكاء الاصطناعي بأنه من أعظم المخاطر التي تهدد الوجود البشري، كما شبه تطوير الآلات الذكية باستحضار الشيطان. لذلك نجده هو وغيره من الأثرياء يرصدون ملايين الدولارات في أبحاث لاكتشاف المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي وكيفية التعامل معها. علما بأن موسك هو "مستثمر كبير، ومؤسس أيضا مشروع صواريخ الفضاء التجارية سبيس إكس، وسيارات تسلا الكهربائية".
لكن مقابل هؤلاء، هناك من العلماء -بل ومن بينهم علماء الحاسوب من أمثال الكندي يوشوا بينغيو بجامعة مونتريال- من يرون خلاف ذلك، فهو يعتقد "أنه لا ينبغي القلق من التقنيات الذكية، فهي تحتاج لسنوات كثيرة من التطور البطيء والتدريجي قبل أن تصل إلى المدى الذي يخشاه المحللون؛ لأنها تستند في تطورها إلى علوم وأفكار لا تزال في بداياتها الأولى حاليا".
لذا، وبادئ ذي بدء، وقبل الدخول في الحديث عن الذكاء الاصطناعي، وحرصا منا على تقريب مفهوم الذكاء الاصطناعي، وتبسيطه لدى القارئ، لا بد من التمييز بين ذلك التعريف المستخدم في مؤسسات البحث العلمي، أو في دوائر البحث والتطوير من جهة، ولدى الإنسان العادي من جهة أخرى.
وفي أبسط العبارات، البعيدة عن تعقيدات الاستخدامات المتطورة لمفهوم الذكاء الاصطناعي، يمكن القول إنَّ مصطلح الذكاء الاصطناعي، كما تكاد أن تجمع عليها معظم الجهات ذات العلاقة به، "يشير إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها. يتجلى الذكاء الاصطناعي في عدد من الأشكال. بعض هذه الأمثلة: تستخدم روبوتات المحادثة الذكاء الاصطناعي لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة. القائمون على الذكاء الاصطناعي يستخدمونه لتحليل المعلومات الهامة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين الجدولة".
وفي اختصار شديد، بعيدا عن أية تعقيدات، فإنَّ "الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق وتحليل البيانات أكثر من تعلقه بشكل معين أو وظيفة معينة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم صورًا عن الروبوتات عالية الأداء الشبيهة بالإنسان التي تسيطر على العالم، إلا أنه لا يهدف إلى أن يحل محل البشر. إنه يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير. مما يجعله أصلاً ذات قيمة كبيرة من أصول الأعمال".
ما ينبغي التوقف عنده هو التمييز بين المصطلحات التي بتنا نستخدمها خطأ بشكل متبادل، عند تناولنا موضوع الذكاء الاصطناعي الذي لا يتطابق تماما مع ما يستخدمه البعض منا، بشكل مترادف مع ما يعرف باسم "التعلم الآلي (Machine Learning) وهو مجال فرعي من الذكاء الاصطناعي الذي يعنى بتزويد الآلات القدرة على التعلم. ويتحقق ذلك باستخدام الخوارزميات التي تكتشف أنماط من البيانات والمعطيات التي تتعرض لها الألة، لتطبيقها في المستقبل واتخاذ القرارات والتنبؤات، وهي العملية التي تتيح للمبرمجين تجنب الحاجة إلى برمجة هذه الألات لكل الاحتمالات الممكنة".
والأمر ذاته ينطبق على تعبير التعلم العميق (Deep Learning)، الذي هو الآخر "من ناحية أخرى، هو مجال فرعي من التعلم الآلي، ويمكننا القول إنه المجال الأكثر تقدما من مجالات الذكاء الاصطناعي، المجال الذي يقترب بالذكاء الاصطناعي إلى الهدف من تمكين آلات من التعلم والتفكير مثل البشر".
وأي من التعبيرين، لا ينطبق على تعريف الذكاء الاصطناعي، رغم أنهما جزء منه، ومكمل له.